محمد الحيدري والمسرح: المسيرة والأثر
بقلم د. زهير بن يوسف
1- من هو محمد الحيدري(1928- 1976)؟
ينحدر محمد بن علي بن محمد صالح الحيدري من عائلة علمية باجية اشتهرت، إلى جانب امتلاكها للأرض، بتفقهها في الدين وحفظها للقرآن الكريم ورواية الحديث النبوي الشريف وتعاطيها لمهام العدالة والتوثيق، وتمهّرها في علم تقسيم المواريث، بحيث لم يتخرج منها إلا قارئ حافظ أو فقيه ضابط أو عدل أعدل أو كاتب أكتب، تحصي وثائق الأرشيف المحلي منهم ما لا يقل عن سبعة عشر (17) عدلا موثقا.
2- محمد الحيدري الفنّان الكامل
على أن اسم محمد الحيدري لن يقترن بتكوينه الأساسي وهو زيتوني ومدرسي في آن، تكوين مكنه من إتقان لغتين، والجمع بين ثقافتين، والتحليق في رؤيته للعالم بجناحين،
وإنما بانبعاث واحدة من أعرق الفرق المسرحية بالبلاد يعود تأسيسها إلى غرّة جانفي 1919 هي فرقة “النجاح المسرحي الباجي” الشهيرة من جديد في 24 أوت 1946، وقد كان في أوج عطائه، لمّا تولى إدارتها الفنية وأعطاها أقوى عدّها التصاعدي بمعية رفاق له من نخبة المجتمع وصفوة مثقفيه المحليين من أمثال الأستاذ صالح رحال المحامي والشيخ عبد العزيز العسكري والشاذلي رحيّم الوجه النقابي والسياسي المعروف ومحمد بن مبارك ومحمد شويخة وخليفة عبيد أحد وجوه الحركة النقابية الوطنية لاحقا وحسن مبزعية ومحمد بن عيسى وعبد الرحمان بن فتاح وحمودة بن موسى وسليمان بن عمري وغيرهم.
3- مسيرة فنية حافلة
شكل محمد الحيدري بمسيرته الفنية علامة فارقة من علامات الذاكرة المسرحية المحلية والوطنية حيث كان رائد الحركة المسرحية بمدينة باجة بلا منازع، خلال أربعينات القرن الماضي والخمسينات إلى أواخر الستينات، بإدارته الفنية لفرقة النجاح المسرحي الباجي، كما كان أيضا أحد رموزها بالعاصمة ولا سيما بعد نجاحه في إدارة فرقة الهلال الفني المسرحية.
لقد كان سي محمد مفردا بصيغة الجمع بل إنّ المفرد شرب لديه العدد تمثيلا وإخراجا و تأليفا،
حيث أنّ في رصيده ما لا يقل عن عشرين(20) عملا فنيا ضمن عدد من الفرق المسرحية في مقدمتها “النجاح المسرحي”، و”الهلال الفنّي” وهي من تكوينه و” الترقي الثقافي( تونس) و”النهضة التمثيلية” ( حمام الأنف ) نذكر منها تمثيلا لا حصرا :
1- “السفّاك” التي تم إخراجها ركحيا سنة 1949 وكانت من تأليفه وإخراجه. أدّى فيها دور عـطيل وهوالدور الذي نحت شهرته( وادى فيها والدي الصادق بن يوسف دور نوفل).
2 – “المعز لدين الله الفاطمي” التي أخرجها سنة 1951.
3 – “مصرع الحسين”.
4 – “المعتمد بن عبّاد”،
5 – ” ضحكة وألف دمعة ” 1950، وهي من تأليفه،
6 – ” المعز لدين الله الفاطمي”،
7 – ” عطيل” التي قام فيها بدور ياقو 1965
8 – ” الفدائي” 1956
9 – ” مولد أمّة” 1956
10 – ” الطاغية”
وتولى الإدارة الفنية لفرقة النجاح المسرحي الباجي في مناسبتين (1949-1951) و(1956-1962).
وإلى جانب التمثيل والإخراج ألف الحيدري عددا من النصوص المسرحية منها “السفاك” و”ضحكة وألف دمعة ” و”عايدة”.
مارس محمد الحيدري الفن التمثيلي لما لا يقل عن عشرين عاما من الأداء الفني الملتزم بقضايا الوطن والمجتمع وكانت آخر العروض في حياته المسرحية خلال أسبوع المسرح الذي انعقد بباجة من 7 إلى 14 جويلية 1968 وقد كان حينها مديرا فنيا لفرع التمثيل العربي بفرقة النجاح المسرحي.
4- شهادة الفنان يوسف وهبي
لم يكن محمد الحيدري علامة فارقة من علامات الذاكرة المسرحية وإنما كان إلى ذلك قيمة مضافة في تاريخ المسرح الوطني شهد لها الفنان المصري الكبير يوسف وهبي، عميد المسرح العربي، بالتفوق الامتيازي في الفن المسرحي بعد أن قدم خصيصا إلى مدينة باجة لمشاهدة أدائه الفني في أكثر من مناسبة وزكاه إلى الهجرة إلى مصر بقوله:
” لو كنتَ في القاهرة لما كان بإمكان أحد أن ينافس يوسف وهبي فيها غيرك”. كان ذلك سنة 1967.
5- محمد الحيدري في الذاكرة
ذاكرة المكان فردا وجمعا سيظل اسم محمد الحيدري فيها وشما على صدر الزمان بل درة ترصع تاج الحركة المسرحية الوطنية بما أعطى للمسرح وبما أنفق على الفن، وبثروته الطائلة التي أفناها بكل سخاء على الرسالة النبيلة التي آمن بها ونذر حياته لها: رسالة المسرح حيث أطلقت المجموعة المحلية اسمه على واحد من نواديها الثقافية ودار للثقافة بها هي دار الثقافة بتيبار وجمعية مسرحية هي جمعية محمد الحيدري للمسرح هذه التي اختارت في مناسبة اولى أن تنظم أياما مسرحية باسمه هي الأولى من نوعها، وها هي اليوم تصنع الحدث المسرحي عربيا بتنظيمها
لأيّام فاقا Vaga العربية للمسرح، هذه التي نشهدها في إطار تعبيرة فنية غير مسبوقة هي مسرح الشارع في دورة تحمل إسم واحد من اعلام المسرح التونسي في التاريخ الراهن الفنان أحمد الكشباطي، وإليه نعود في سياق لاحق، تعبيرة هي خير استئناف وأوفى قيمة مضافة لما أسسته الأجيال المتلاحقة من المسرحيين من منجزات إبداعية.
+6
Toutes les réactions :
Vous, Dridi Karim, Nejib Ayari et 87 autres personnes