من المحكيّ التراثي الشعبي: سور المدينة
د. زهير بن يوسف
[ “السور يبقى سور لو تبقى منو شرافة”]
من غير حتى كلام 4 وظايف رئيسية تعرفت بيها باجة عبر التاريخ، والوظايف هاذيّة هي: السوق الفلاحية، والعاصمة الإقليمية، ومفرق الثنايا الإستراتيجي، ولكن زادة المدينة المحصّنة.
1- آش معناها مدينة محصّنة؟
معناها بلاد دايرة سايرة بسور يحمي أمّاليها وكل اللي يسكنوا فيها من أيّ خطر جاي من برّه، وهاو شنوّة لاحظ العبدري اللي تعدّى من هنا عام 1289 في السياق هذا:
“وقد حدّثت بها أنّ أهلها لا يفارقون السور خوفا من العُربان”، يقصد الإغارات اللي كانوا يشنوها عليها “الجبالية” و”الجيّاشة” و”النهوش” زادة والمغامرين، و”أنهم يستعدون لدفن جنائزهم كما يستعدون ليوم الضراب والطعان”.
2- كيف إنّو ها السّور هذا؟
السور هذا داير بالبلاد في شكل سداسي الأضلاع آما موش بشكل منتظم، ومدعم بـ 22 وإلا 23 يرج مربّع بحسب الروايات.
العرض متاع ها السور يوصل لـ 3 ميترو، حذا “باب العين”، وعِلْوُو 10 ميترو، وأقل شي 7 ميترو، والمسافة بين البرج والبرج ما تقلّش على 50 ميترو، معناها طول ها السور ما يقلّش على قرابة كيلوميتر ونص، هذا إذا طرحنا منّو الجيهة الجنوبية متاعو اللي طولها أكثر من كيلوميتر، والشيرة هاذي تهدمت توّا عندها قرون، معناها سور باجة القديم داير ساير كامل جامل ما كانش يقلّ على 2.2 كلم.
والشي هذايا كان يتشاف بكل وضوح من “باب العين” حتّاه لحومة 66 درجة، بمعنى في “حومة تحت السور” لعام 1960، التاريخ اللي خطر فيه للبلدية باش اتطيّح الأبراج وتنقّص في عرض السور، ماشي في بالها توسّع في الطريق العام، وها هو كا حيط القبلة متاع زاوية سيدي سيقان ومحرابها ما زالوا شاهدين على ها العملة اللي ع الحيط اللي خسّرت البلاد حاجة من أعزّ ما كانت تملك.
3- من اش يتكوّن ها السّور؟
كان سور البلاد مدعّم بأبراج، وكل برج من ها الأبراج، كان متكوّن من 3 طيقان، أبراج متميزة بالعلو متاعها، علو يفوت علو السور، ومتميزة زادة بالمِتن والوِسع متاعها، وبحصانتها الكبيرة اللي تعطيها دور متقدم في مواجهة أي خطر.
أمّا السور في حدّ ذاتو فكان عالي ياسر: بين 7 ميترو و10 ميترو حسب التضاريس، علاش ها العلو هذا الكل؟ باش يعاون على حماية المدينة من محاولة الطلوع واقتحام البلاد، وقت اللي يهدواّ عليها الأعدا(ء).
وكان عريض برشة ، بين 2.3 ميترو و2.6 ميترو، وأقل شي زوز ميترو، تقول إنت بمعدل زوز ميترو ونُصّ، العرض هاذايا الكل علاش؟ باش ينجموا يحطوا الآلات الدفاعية متاعهم بالراحة وخاصة المدافع.
في ها السور نراوا زوز أجزاء:
– جزء لوطاني فيه هاك الفتحات الصغيرة اللي يتم منها إطلاق السهام وإلا الرشّ ، حاجة تشبّه للمنقاص، وها الجزء مبني يالحجر الكبير المصقول، وبصورة خاصة حذا البيبان.
– وجزء فوقاني يوصل علوُو لـ 9 ميترو، فيه نوع من المزاز معنتها ممرّ مغطي، حذا كل باب بقبة نصف دائرية مخصصة للعسّة.
وهل الجزء هاذا مبني بحجر صغير يسميوه راس كلب وبحجر متوسط، والسطح متاع ها السّور، وخاصة في المداخل متاع البلاد، عبارة على نوع من البركون المحمي بسياج مسنن، بالضبط كيما اللي ما زلنا نشوفوه إلى يوم الناس هذا في سور إسطمبول.
4- كيفاش تبنى ها السور ووقتاش؟
رغم اللي هو تبنى وتهدّ، وتعاود تبنى برشة مرات، سور باجة اللي ما زلنا نشوفو بعض الأجزاء منّو، سور يرجع لعهد البيزنطيين، اللي كانوا العرب يسميوهم ” الروم”، ومن التسمية هاذي جات كلمة الروامة كيما نقولوها توا، السور هاذا تبنى في موقع الأسوار الرومانية، حسب ما تثبتو الأسبار والحفريات اللي تعملت في “باب العين”، والنقيشة اللي توجدت في واجهة السور الجنوبية من شيرة “الربط ” بعدما تمّ تهديمها باش يوسعوا البلاد، ها النقيشة اللي ما زلنا مستحفظين عليها في مخازن الولاية تأكّد أنو السور تبنى عام 533 لميلاد المسيح، عام 533 وموش عام 1533. وتأكد أنو اللي بناه هو الكونت باولوس Paulus بتعليمات من الإمبراطور البيزنطي جوستينيانJustinien ، ومن باب الاعتراف بالجميل لها الإمبراطور اللي حيا البلاد، بعد ما خلاوها الواندال خالية جالية لمدة 100 سنة تقريبا، وعمّرها وبنى لها القلعة متاعها وجددلها أسوارها، سكانها قرروا باش يبدلوا إسم البلاد وقتها من فاقا Vaga لتيودورياس Théodorias ، على إسم تيودوريدا Théodoridaزوجة الآمبراطور، علما أنهم عملوها قبل وقت اللي سماوها سبتيميا Septimia ، وقت الإمبراطور الروماني سبتيموس سافاروس Septime Sévère، والدليل هو هاك النقيشة اللاتينية اللي في حيط الجامع الكبير البراني وإنت ماشي للصمعة.
5- آش بقى من ها السور؟
أول شي السور هاذا كان سور عظيم، والبني متاعو زمني، والحجر فيه قد “الماهية”، وهاو شنوة حكى عليه البكري مثلا توا ألف سنة لتالي:”وحصنها أوّلي مبني بالصخر الجليل أتقن بناء، ويقال لإنّه من عهد عيسى عليه السلام، وسور الحصن مما يلي الربض مهدوم”.هو اللي أشار لو القلقشندي وقت اللي قال ” وعليها سور حصين”، وأبو الفداء وقت اللي قال: وهي مسوّرة حصينة”.
وحكى عليه الرحالة بايسونال Peysonnel اللي زار البلاد عام 1724 ولاحظ اللي” باجة مدينة تعتبر من أهم البلدان متاع برّ تونس وقتها، والبلاد هاذي تبنات على كدية عالية نوعا ما وتدرجة في شكل مثلث، وفي طرف من أطراف ها المثلث العالي هاذا ثمة حاجة كي القلعة أهميتها الدفاعية ماهيش كبيرة.
وحكى عليها كانيا Cagnat وصالادان Saladin وقيران Guérin وديال Diehl ومونتال Montels وفيليبي Filippi،
والكلهم متفقين اللي تاسيس السور هذا يرجع لفترات قديمة سابقة للفتوحات الإسلامية ، شهد بهاذا اليعقوبي مثلا وهاذي شهادتو: مدينة باجة مدينة كبيرة عليها سور حجارة قديم، باستثناء بعض الأجزاء،
وبكلهم متفقين اللي الأغالبة جددوه واللي الفاطميين وسعوه، واللي هو عرف برشة ترميمات حتاه للقرن 18 والقرن 19 أبرزها أعمال الصيانة اللي تعملت فيه عام 1740 في عهد علي باشا، واللي نفذها ولدو يونس باي اللي يقول فيه المثل: يا ويح تونس من يونس ويا ويح باجة، ونعرفوا زادة المهندس اللي أشرف على ها الأشغال، وإسمو عمر البلانكو الأندلسي، وهو بيدو اللي جدد قصر باردو متاع باجة، وبكلهم متفقين اللي السور عام 1894 بقى قايم الذات من 3 شيرات: الشيرة الغربية، والشيرة الشمالية الغربية والشيرة الشمالية الشرقية، أجزاء ماهيش متصلة ببعضها، تفصل بيناتها الديار.
– جزء من ها السور يطلع من باب الجديد، ويوصل حتّاه لتحت القصبة، هو الجزء اللي يحمي حومة سيدي منصور، وسيدي بنور وحومة سيدي دنيدن وسيدي غيلان ويحل ع الولاية، وهذا جزء كلاه البني وما بقات منو كان حاجة قليلةآما ظاهرة في شيرة القصبة.
– وجزء آخر في الجيهة الشمالية الغربية يبدا من القصبة زيهبط حذا سيدي يعقوب في أول حومة الحدرة: طولو ما يزيدش على 5 ميترو وعرضو ميترو واحد وعلةو 3 ميترة.
– وأهم جزء هو الجزء اللي احنا فيه توا، الجزء الموجود في الجهة الشمالية الشرقية، ويهبط من تحت القصبة لحومة 66 درجة، ويشق حومة تحت السور، حتّاه لين يوصل لباب العين حذا جامع الباي.، والجزء هاذيايا مبني بالحجر الكبير المصقول، ساعات توصل الحجرة فيه مينرو ونص طول على خمسين صانتي عرض، وأقل شي ميترو يخص طول على 45 صانتي عرض، وفيها نصوص منقوشة.
هذايا أخطى الحجر المتوسط والصغير في بعض الساعات اللي يظهر أنو نزاد وقت الترميم، والمادة اللي تربط بين الحجرة وأختها نوع من البغلي التقليدي متكون من الخُمرة والحُصحاص.
قبل ما ننسى نحب تفكروا معايا اللي ها السور كانت محلولة فيه بيبان هي:
باب العين
وباب السبعة
وباب الجديد
وباب المدينة، ويتسمى زادة باب السوق وباب سويقة
باب الزنايز ويتسمى زادة باب باجة.
وحسب ما يظهر علي باشا كان ناوي باش يعاود يبني السور متاع الربط القبلي اللي كان وقتها مهدم من مدة طويلة، وسور آخر لربط عين السمش، وبالفعل بدا في ها المشروع، على حسب نا ذكرّلنا المؤرخ محمد الصغير بن يوسف، في كتابو المشرع الملكي في سلطنة أولاد علي تركي وكتاب الآخر التكميل الشافي للغليل ولكنو ما كملوش غلاّ لصورة جزئيّة، وما ذكرلناش بدقّة آ نهوّ الجزء هذا اللي كمّلوا وفين؟
والمتأكّد أنّو الربط القبلي وربط عين السمش اتطّوقوا، وقت اللي دخلت فرانسا، بالبني السوري الشي اللي طمس آثار ها السّور، وحسي الأرشيف اللي وصلنا اللي قبل ما يعمّ البني الجديد على ها المعلم، السور هذايا تومم مثلا عام 1862 بسبب الطياح اللي وقع فيه من برشة جهات وكان الترميم هذا بأمر من الباي بسبب تشكيات السكان من الضرورة اللي تسبب لهم فيها السور المهدّم.
هاذا بخصوص الأسوار الفعلية متاع البلاد، لاكن أسوارها الرمزية كيفن هي؟
6- أسوار البلاد الرّمزية؟
ها السلسلة من الأسوار الفعليّة والتحصينات الدفاعية كانت مدعمة بسلسلة من الأسوار الرمزية متمثلة في عدد من الأولياء والصالحين، يظهر لي فيهم، أخطى أدوارهم الدينية المعروفة، كانوا قايمين بوظيفة الاحتراس أو العسّة والدفاع على مداخلها:
– هاذا سيدي الدوّاس، وبحداه الرجال السبعة، وين ثمة توّا “باب السبعة”،
– وهاذا سيدي امحمد سيقان، في حومة تحت السور اللي اختار واحد من أبراج السور باسابة يبني رباط للتعبّد والمراقبة والعسّة،
– ةهذا سيدي غيلان ” في حربو شاطر”، كيما جا(ء) في نص المناقب:
يقول الحاج ميلاد الشريف الشاعر الصوفي مدّاح الأوليا(ء) والصالحين:
نادوا لي حِبّي، جبّار المكســــــور
في الجيهة الغربي اللي عند السور
عذّب لي قلبي، ركّاب المهـــــجور
يردع بمحلّة ، هــــــــاذاك غيلان
– وهاذاك سيدي بوطاعة : الحامي متاع القصبة وصاينها الرمزي،
– وهذاك سيدي مْجاهد، في باب الجديد الفوقاني،،