التقويم الفلاحي التونسي أو حساب غيلان

التقويم الفلاحي التونسي أو حساب غيلان

من الموروث الشعبي في تونس وشمال افريقيا قصة غيلان وحسابه للموسم الفلاحي. غيلان هو راعي ابل اختلف الناس في نسبته، قيل أنه أمازيغي وقيل

أنه من عرش “أولاد غيلان” بربوع سبيطلة وقيل أيضا أنه من قبيلة دريد[1] بالشمال التونسي كما قيل أنه من قبائل الجنوب التونسي[2]. كان غيلان يرعى ابله شتاء في منطقة الوسط بالبلاد التونسية وخاصة ربوع قمودة [3] التي تتميز باعتدال طقسها وخصوبة تربتها.

وضع غيلان حسابا دقيقا تضبط فيه أيام كل فصل من فصول السنة بكل دقة حيث تروي الأسطورة أنّ عددا من الخبراء في التقويم جاؤوا من المغرب الأقصى لمناقشته حول التقويم فأكرمهم وأحسن ضيافتهم لكن عند الفجر غادرهم، فاحتلب ناقة له ووضع حليبها في قربة وخرج لرعي الابل وعاد اليهم في المساء وأحتلب الناقة مرة أخرى ووضع حليبها في قربة أخرى، ولما لاحظ في وجوههم علامات الضجر قال لهم “سريع مطيع، مشيت في الشتاء جيت في الربيع” أي أنّه غادرهم شتاء وعاد لهم في فصل الصيف، ثم مد لهم بإبريقيْن من الحليب فلاحظوا فرقا واضحا في الحليبين[4].

السنة الفلاحية أو السنة الأمازيغية

يتميز التقويم الأمازيغي بتأخره عن السنة الميلادية بثلاثة عشرة يوما، حيث يوافق اليوم الأول من شهر “يناير” اليوم الرابع عشر من شهر جانفي وكذلك بقية الأشهر.

تتركب السنة الأمازيغية من اثنا عشرة شهرا وهم على التوالي: يناير- فورار – مارس – ابرير – مايو – يونيو – يوليوز – غوشط – سكتمبر – كتوبر – ومبر – دجمبر.

يبدأ الموسم الفلاحي بالليالي البيض التي تبدأ يوم 25 ديسمبر وتدوم عشربن يوما وتتميز ببرودة الطقس ليلا ودفئه نهارا. تتبعها مباشرة الليالي السود التي تبدأ يوم 14 جانفي الموافق لرأس السنة الأمازيغية 1 يناير وتدوم أيضا عشرين يوما لياليه دافئة ونهاره بارد. أما العزارة فتبدأ يوم 3 فيفري الموافق لليوم الحادي والعشرين من يناير وتدوم أحد عشر يوما يكون فيه الطقس منقلبا. بنهاية العزارة ينتهي شهر “يناير” ويبدأ شهر “فورار” بيوم بارد يسمى “قرة العنز” و يوافق هذا اليوم 14 فيفري، تقول الاسطورة أن العنز خرجت ترقص فرحا بخروج شهر يناير قائلة “ينار، نار على نار، لا تغرد فيه أطيار ولا جار يطل على جار” فرد عليها يناير قائلا “نتسلف نهار من فورار نخلي قرونك يلعبوا بيها الصغار في ساحة الدوار”.

يأتي بعد ذلك نزول جمرة الهواء من 20 الى 26 فيفري يصبح فيها الهواء دافئا تدريجيا، ثم تنزل جمرة الماء بداية من 27 فيفري

ثم تأتي “الحسوم” المذكورة في القرآن الكريم وهي فترة تبدأ يوم 10 مارس وتدوم ثمانية أيام 4 منها توافق أواخر شهر فورار والأربعة أيام الأخرى مع بداية شهر مارس الأمازيغي (العجمي) والحسوم هي فترة تلاقح الأزهار.

يروى أن شخصا قال لغيلان “إذا فاتت الحسوم نحي كساك وعوم يا سارح يا مشوم” فاستدركه غيلان “لا.. بعد اربعين يوم” لأن بعد الحسوم مواسم أخرى باردة قرة حيان.

يأتي من 17 الى 22 مارس أسبوع الجوارح تنبت فيها الأشجار أوراقا جديدة، ثم يأتي أسبوع الصوالح من 23 الى 29 مارس وفيه تبدأ الثمار في الظهور.

وفي شهر أفريل أيام باردة مثل قرة حيان وتسمى أيضا قرة غيلان يقال عنها “قرة حيان عقب مارس تهبط الحلاليف من روس الجبال” ومدتها أيضا ثمانية أيام أربعة منها في نهاية مارس العجمي (البربري الأمازيغي) والأربعة أيام الأخرى في بداية شهر ابرير أي ما يوافق امتدادها من 10 الى 17 أفريل. ويقول المثل الشعبي في هذا السياق “ما تقول جديانك جديان ولا خرفانك خرفان الا بعد قرة حيان”.

يمتد شهر مايو من 14 ماي الى 13 جوان، الأسبوع الأول منه يسمى الأسبوع الأخضر يليه الأسبوع الأصفر يليه دخول الصيف يوم 17 مايو الموافق لـ30 ماي.

الفترات الحارة صيفا تسمى “الوغرات” وهي في ارتباط مع ظهور بعض الكواكب والنجوم لذلك سميت بأسمائها بين كل وغرة وأخرى 18 يوما وتدوم كل واحدة أسبوعا وهي كالتالي: العصية اليوم الثامن عشر من الصيف تليها الثريا يوم 36 ثم وغرة عيوق يوم 54 والمرزم يوم 54 من فصل الصيف ليأتي أوسو يوم 25 جويلية ويمتد أربعين يوما و يقال عنه “أوسو بارد أطرافه” أي أن اطراف النهار فيه باردة.

وفاة غيلان

تحكي الأسطورة أنّ لغيلان زوجتين، احداهما بدوية والأخرى “بلدية” عند الشتاء غادر غيلان بلده لرعي الأبل في بلاد قمودة حاملا معه زوجته البدوية، اشتدت غيرة زوجته الأخرى فسخنت الماء وسقت به شجرة لوز، فأزهرت أشجارها قبل موعدها، فبعثت ببعض من أزهارها لغيلان، لما رأى غيلان أزهار اللوز ظنّ أن الربيع قد حلّ، ولما قفل راجعا نزل الثلج على غير عادته بقمودة فماتت إبله، وقد سمي الموضع الذي قضي على قطيعه بـ”أمّ العضام” لكثرة تواجد عضام إبل غيلان فيها، أما غيلان لشدة شغفه بالابل أوصى بأن يدفن قرب عين رباو من قمودة التي كانت عينا جارية تشرب منها الابل.

أما إحدى زوجاته فقد أنشدت رثاء له “غريت بيا يا نوار اللوز، خليتني في راس المقارح، لاني من البل ولاني من السارح”.

مات غيلان ولكن تقويمه بقي حيا يرشد الناس عن الطقس وعن أيام الحرث والزرع والحصاد.

صالح شعيبي – سيدي بوزيد  عن موقع https://sociopoliticarabsite.wordpress.com/
——————————–

اسبوعا تزول فيه برودة الماء، أما نزول جمرة التراب فينطلق يوم 6 مارس ويدوم أربعة أيام.

[1] دريد هي قبيلة هلالية توجد بالشمال التونسي

[2] نظرا لوجود قصر قديم بسمى قصر غيلان بين دوز وتطاوين ومدنين

[3] قمودة هي الاسم القديم لسيدي بوزيد

[4] الحليب في الربيع أصفى و أنقى

 

Comments (0)
Add Comment