لوحي الجائع..
دفعت الباب الخشبي العتيق بيدها الصغيرة واندفعت وسط الحوش متعثرة الخطى بسبب ما أثقل عليها ممّا تحمله باليد الأخرى من متاع سعدت بحمله طول الطريق إلى الدار حتى أنها لم تشعر بطول مسافة ولا إرهاق جسد .
إنها الساعة التي انتظرتها طيلة الصائفة وهي تحلم بعودة إلى ذلك المقعد الفريد والحبيب إلى قلبها وعقلها الصغيرين.. كما حلمت مطولا باقتناء لوازم الكتابة والقراءة . ففي ذلك العهد لم يكن المطلوب غيرهما للتعلم .
نادت بصوتها الطفولي السعيد : .. أمّي .. ها أنا.. لقد عدت بعدّتي وعتادي.. انظري إنّها في غاية الجمال والترتيب.. وهذه أقلامي ولوحي.. سأغدق على سواده من طباشيري وخطوط رسومي ما لا نهاية له .. سأكون كريمة معه ولن اتركه يعطش أو يجوع … فحروفي غذاؤه وأعدادي نزهته..
نظرت الأم إلى سعادة الصغيرة بعين كلها فرح وأمل في نجاح ينتظر البُنية لا محالة.. وفخر سيكسو كل العائلة.
حضنت ابنتها وقبلتها طويلا وسألتها إن كانت قد شكرت العم محمود على هديته . أومأت البنت براسها وكانها تريد التخلص من الإجابة وهربت سريعا إلى الداخل تاركة أمها تجلس القرفصاء أما باب المطبخ الذي فقد نصفه وبقي النصف الآخر ينخره السوس وتصفر فيه الرياح.
فاطمة البوبكري