إشرح أيها البحر الأسود

اشرح أيها البحر الأسود

إشرح لنا ايها البحر الأسود أين اختفت بقايا أبناءنا و عائلتنا كيف بدأت احلامنا وكيف انتهت. هناك بين قارة آسيا و اوروبا دولة تقدمت في مجالها التكنولوجي لتصنع طفرة من الحداثة مقارنة بدول في حجمها و إمكانياتها. لا احد ينكر جمالها و تأثيرها السياحي في العالم كواحدة من أهم البلدان التي يختارها الاجانب لقضاء العطلة او للعيش. ولكن لتركيا وجه اخر يخفي قصصا لابد ان يكتبها القلم.

_بداية النهاية_
فتكت الحروب بعديد البلدان ومن بقايا الاحلام التي انتشلوها من تحت الانقاض حلم الهجرة نحو اوروبا من جوهرة البحر الأسود.. يتوافد الفاريين من هول الدمار الاقتصادي و السياسي نحو تركيا كواحدة من اهم نقاط العبور نحو القارة العجوز. يكسر اغلبهم الفيزا او مدة الاقامة ليبدا رحلة من جمع المال للهجرة. هي رحلة عنوانها المأساة و الخوف. تولد في المصانع و المحلات و أشق المهن التي لا يتحملها المواطن العادي. فتعطى الى صاحب الحلم الضائع. ومنها ينطلق في التخطيط و صنع الأمل.

-مطعم الزهر الحزين-
لا تنسى ذاكرتي مطعم الزهر الحزين ولعلي اسميه هكذا تجنبا لذكر الاسماء و المساس من الافراد هو مكان يدعي البهجة من ألوانه الى ديكوره. يجنبي ارقاما من الاموال التي يصعب عدها. تسمع ضحك العائلات و قبلات الاحباب و لعب الاطفال فيه. طعامه لذيذ وهو مطهي من شعلة احلامهم. يعملون لساعات طويلة هنا وهناك دون تأمين و دون توقف من اجل تحقيق المراد.
-من سوريا الاحلام-
اتذكر جيدا ملامح ذلك الولد الصغير لم يكن على قدر كبير من القوة الجسدية او النفسية يداه الصغيرة تعمل في جلي ادوات الطبخ وجمع بقايا طعام الزبائن.. لا يتحدث كثيرا يكتفي فقط بالعمل والعمل. ملابسه إلاصقت بجسده الصغير و عيناه تخفي كمية التعب انه ابراهيم ذو الخمسة عشر سنة يعمل مع اخيه منذ فترة هنا يجمع القمامة و ينزله الى الشارع الكبير اما اخوه فيكتفي بالمشاهدة وهو الذي أنهك في عمل اخر ولا يستطيع التدخل في غير اعماله . مر الاخوين برحلة صعبة في خطوط التهريب للوصول الى تركيا . يعيشان في المطعم الزهري ينامن على اريكة لا تخلو من الاوساخ. ضاعت طفولتهما بتفجير مقاعد الدراسة و تحت ركام المدارس وانقاض المنازل. بأي ذنب حرما من حنان العائلة التي قد لا يلتقيان بها مجددا. طرد ابراهيم بعد فترة بدون اي حقوق من العالم الزهري لانه تعب من العمل لانه في نظر صاحب المحل البشوش الة لا تهدأ. لا يتوقف هذا المكان كغيره من اكشاك الاحلام على توافد الشباب للضفر بلقمة العيش بعيدا عن كابوس توزلا.
– من غزة الى أثينا-
هناك من بقيايا حرب غزة المنكوبة ياتي الالاف للهجرة و الهروب من كابوس القصف و تمرد الدمار. في نفس العالم الزهري الذي يصنع طعام الاكابر بأنامل الاحلام لا ننسى قصص حسين الشاب العشرييني الذي درس الحقوق ولكنه التحق بصفوف العمال وتحت سلطة من لا يعرف للحق مكان ليعمل على نيران النودل و مكعبات السوشي من اجل هدف واحد. يعاني ورفاقه من تاخر الرواتب و كثرة العمل و حرارة غرفة طبخ الاحلام ولكنه مستمر لان الغد افضل بالنسبة له. تتكاثف جهوده و رفاقه لانجاح حلم البيك من اجل حلمهم الضائع. بين طاولات المطعم يتخيل و رفاقه انها ممرات القوارب التي ستنقلهم لمكان الحلم. واذا وقف احدهم لساعات ينتظر طلبات الزبائن بما تعلمه من لغة تركية وكأنه يثبت ان عقله قادر على التعلم و التقدم ولكنه ينتظر فرصته. لا تغيب عن ذاكرتي تفاصيل ابو وسيم الذي هاجر من غزة مع ابنه و زوجته. ابو وسيم شاب خفيف الظل لا يعرف بديلا لموضوع الهجرة بالنسبة له النقاش لا امل منه لابد ان يقتصد و يجمع ما يمكن جمعه لانقاض مستقبله. تدعمه زوجته و تبيع الغالي و النفيس في سبيل مستقبل افضل لوسيم. كل هذه القصص
ماساة مختصر دفع ثمنها من الفراق و التعب و البكاء و الوحدة نجح اصحابها بعد رحلة الموت في الوصول و فقد الكثير في البحر الاسود وتلاشت احلام الكثير ولكن المحاولة تبقى مستمرة باستمرار الخراب و ايمانا منه ان الوطن هو المكان الذي يعطيك الامان.
– اسماء في الذاكرة-
مرت على صاحب القلم عدة حكايات و حفرت عدة اسماء في مخيلتي كلها معاناة يومية خوفا من سجن توزلا و الترحيل القصري. خوفا من مواجهة القوات على حدود اليونان بحرا و برا .. خوفا من غرق المراكب المطاطية و خوفا من التجمد في غابات البلقان اللعينة. كان اسامة طفلا حالما في صفوف قسمه الاولى ليصحو على حرب مدمرة نسيا بعدها كيف يمسك القلم مرت سنوات حولت حلمه من طبيب او طيار الى خياط يداه تحمل ملامح التعب و القسوة. لا هوية له غير حي من احياء اسطنبول يعيش فيه بعيدا عن انظار البوليس. في الضفة الاخرى يجتهد محمد في عمله ناسيا اي اشياء اخرى من لهو الحياة في سبيل الحاق حبيبته به بعد فراق انطلق من ارض الوطن يعيش متأملا ان تنجح في الوصول اليه. ليستعيد البعض من بهجة الحياة. وذلك المجهول يعيش مع حبيبته منذ سنوات دون عقد رسمي لانه مسجل مجهول ولا بصمة له في هذه البلد. مثله مثل عبد الرحيم الذي حتى وان اختلفت القصة في الحياة واحدة غذت فيه حرب السودان حلم الهجرة وهو الذي لا يبحث عن المال بقدر بحثه عن الامن و الوطن الذي لن يغدر بك. يتقاسم معه امجد ذلك الصحفي الحالم نفس الهدف اذ ترك وراءه كل شيئ و رحل الى مكان يجد فيه مستقبلا له و لابنته.
يتحدث جميعهم باختلاف الاحداث بنفس بريق العيون وهو بريق الاحلام الذي يشتاق للقارة العجوز. لعلكم تبحثون في هذه السطور عن قصص الفتايات. الفتايات و النساء هنا هن الداعمات لاحلام الرجال يتقسمن معهن ألم الغربة و ألم الفراق هن عماد البيوت واغلبهن يتحملن ظلم الزمن و القانون و العادات و الاعراف ولكن اذا غامر الرجل لا يغامر الا و المراة معه اما حياة واحدة او موت واحد.

-تركيا البلد الجميل –
رغم كل ما تحدثنا عنه من قصص تؤلم و تعلم الا اننا لا ننكر ان هذا البلد يتربع على عرش الجمال يحاول ابناءه خدمته بكل الطرق. ترى ثمرة مجهوداتهم على ارض الواقع. تسحرك طبيعته و ترضيك خدماته السياحية. نعترف جميعنا بقيمة تاريخه. و نتمنى ان يكون ابا للعالم الذي طرد ابناءه بلا سند .

malek aroua

Comments (1)
Add Comment
  • Rahim

    Hey dear , Malak

    I just wanted to drop you a quick comment to say how much I appreciate your recent article. Seriously, it hit the nail on the head and perfectly captured the essence of us, the youth, and the aftermath of the destruction that our country faced. It’s like you took the words right out of my mouth!

    I can’t thank you enough for shedding light on this topic and giving us a voice. It’s so important for our generation to be heard and understood, especially considering the dreams that were shattered during those dark times. Your article really resonated with me and made me feel understood.
    Keep up the amazing work, my friend. Your words are making a difference. Just remember to take care of yourself and stay safe out there.

    Appreciatively yours,
    Rahim