مئذنة الجامع الكبير بباجة :
قراءة معمارية وهندسية
د. زهير بن يوسف، جامعة تونس
تعتبر المآذن عنصرا معماريا أساسيا في جوامع الخطبة، وتختص باختلاف أشكالها وأحجامها وطرازاتعا المعمارية، وهي وإن كانت في تونس موزعة بين الشكل المثمّن والشكل المسدّس والشكل الإسطواني فإنّ الغالب عليها هو الشكل ذو المقطع المربّع، ولئن كنا نجهل بالنسبة إلى مثال مدينة باجة أصناف المآذن التي كانت قائمة بجامع التوبة وجامع القصر وجامع الخطبة، وهي من المساجد المندثرة، فإننا فإنّ مآذن الجوامع التاريخية الباقية وهي جامع أحمد الجزار وجامع الباي والجامع الكبير تنتمي إلى الصنف المحلّي وهو الصنف المربّع.
1- موقع المئذنة
بأقصى الركن الشمالي الغربي لصحن هذا المسجد الذي يعود تأسيسه بالأدنى إلى سنة 334 هـ / 946- 341 هـ / 953، وهو موقع إستراتيجي يشرف بالأساس على “المدينة” أي النواة العمرانية الأصلية لمدينة باجة التاريخية وأرباضها الثلاثة: الربض القبلي وربض عين الشمس وربط سيدي امحمد المغراوي أو حومة الأندلس، ويطلّ على الأسواق: الحوكية، والبرادعية، والخضارين، والعطارين، النجّارين،الصبابطية، الزنايدية، سوق القماش،،
2- طراز معماري أندلسي مغربي
تشق عنان السماء مئذنة ضخمة بديعة سامقة ابتنيت على الطراز الموحّدي الصرف ذي المقطع المربّع، تذكّر أكثر ما تذكر بمنارة جامع الزيتونة وصومعة جامع القصبة بالعاصمة، بل يبدو أنّ شكلها المعماري مقتبس من النمط المغربي الأندلسي الذي بدأ في الانتشار بتونس مع بناء الجامع الموحّدي بالقصبة في بداية تأسيس الدولة الحفصية إن لم يكن محاكيا له، إنها المئذنة الحديثة التي ورثت المئذنة الألفية للجامع العتيق وقد تم استكمالها عام 1342/1922 حسب النقيشة التخليدية المضمّنة بجانبها الغربي المشرف على الطريق العام عند باب أبي طاعة، في الجوار المباشر لزاوية سيدي بقطاش الزلاوي داخل باب المدينة. واستكمالها لاحق للفراغ من تجديد بقية أجزاء المسجد(1915- 1917)، إذ تبرز صورة شمسية مؤرخة بعام 1920 المسجد العتيق مجدّدا تعلوه، في نفس موضع المنارة الجديدة، منارة، هي منارة الجامع الكبير التاريخية العتيقة التي أشار إليها وإلى أبعادها وإلى موقعها الطرفي من الصحن تقرير الإقامة العامة الصادر في ماي 1884، هي تقريبا بنفس أحجام صومعة جامع الباي، وبنفس ارتفاعها، وهو ارتفاع غير سامق، وبالطراز المعماري ذاته.
3- النقيشة التخليدية
هي نقيشة منفذة بالنقش البارز في أسلوب مغربي تونسي في ثمانية أبيات موزّعة على كامل حقل الكتابة، ورد فيها قول الشاعر(بحر البسيط):
منـــــــارةٌ قــد تجلت بها السّنا يتألــــــق *عادت بـأحسـن ممّـا كانت بهاءً ورونـق*
بسهم نـــــور سنـاهـا عينُ المُعاند تُرشـق **بباجة مـع بنيهـا بها السُّرورُ تحقـــق
في عصر ملك البرايـا بحرِ النّدى المتدفـق**محمّد ذي المعالـــي به الثّـــنـــا يتعلــق
وأشــــرقَ النّورُ منهـــا كالشّــمسِ عند الموفق**فقلت أرّخ بشمس وقلت أرّخ لمشرق