نبيل الريحاني يكتب : في مخاض العشرية..

نبيل الريحاني يكتب : في مخاض العشرية..
في مخاض العشرية..
نبيل الريحاني
فرقعات إعلامية متتالية بملفات فارغة وعناوين تافهة.. هي أشبه بتغطية نارية كي تواصل مركبة تبديل الواقع السياسي وتكريس حكم الفرد قدما مسيرها نحو المحطة الموالية وهي اعتماد القانون الانتخابي الجديد
والتهيئة به لمجلس نواب صوري لا قيمة عملية له.
وفي الأثناء لا بأس بشيء من الضجيج الإعلامي للتغطية على الكارثة الاقتصادية التي تمر بها البلاد والتي بلغت مرحلة تجويع الناس وتحويل معيشتهم اليومية إلى جحيم لا يطاق.
مرحلة سلطت الضوء مجددا على دور الإعلام المأجور الذي يقدم أرخص وأردأ الخدمات لأرباب النفوذ السياسي والمالي الفاسد. كما اتجهت الأضواء إلى منتسبين لبعض أجهزة القوى الصلبة الذين صاروا يتصرفون خارج كل المحددات والأعراف القانونية المتعارف عليها بالحد الأدنى.. ليبقى السؤال في كل هذا: ما المبرر الذي يقف وراء إدخال البلاد في هذه الردة البشعة عن كل مكسب ديمقراطي ومدني؟ وإغراقها في أزمة اقتصادية غير مسبوقة؟
أمران هما ما يقف وراء ذلك في تقديري المتواضع:
أولا:
طي صفحة الانتقال الديمقراطي ومعاقبة مهد الربيع العربي من قبل التحالف الفرنسي المصري الإماراتي السعودي ومن خلفه إسرائيل صاحبة المصلحة في سلب كل الشعوب العربية أدنى مقومات الحرية والنهوض.
ثانيا:
وأد أي تجربة قد يحقق من خلالها الإسلاميون مكاسب لشعوبهم تجعل من تونس تجربة ملهمة، تسري عدواها إلى دول الجوار وعامة المنطقة وهو “الرعاب” الذي تقود باريس جوقته بلا هوادة.
في ضوء هذه المعطيات يأخذ حديث إخفاقات العشرية حجمه الحقيقي، ذلك أن وصفها بالسوداء (توصيف عنصري بغيض ووضيع) صدر عن دوائر كيدية مغرضة، لا تتوفر على الحد الأدنى الأخلاقي الذي يؤهلها لمحاكمة انتقال ديمقراطي مارسوا ضده العداء وكل أنواع الدسائس والتآمر منذ اليوم الأول.
ثم إن تلك العشرية إنما كانت مخاضا لانتقال ديمقراطي، تذكرنا أبجديات المنطق أنه ليس تحولا من جهنم إلى جنة، بل هو وككل البلدان.. مرور صعب وملغوم من عقود الاستبداد إلى وليد ديمقراطي يحبو خطواته الأولى.
ولو قارنا العشرية الانتقالية في تونس بغيرها فضلا عن تجارب الربيع العربي الأخرى ، لوجدناها أفضلها وأقلها وطأة على الناس وأنقاها من دماء الاقتتال.. وهذا بالذات ما جعل من التجربة التونسية مزعجة بشدة لدول وأجهزة استخبارات وعملاء محليين ورخيصي ذمم.. راهنوا طويلا على استدراج أي تجربة إلى المربع الأمني معتمدين وسائل غاية في الخبث من أهمها استثمار أو زرع أو استزراع تعبيرات متطرفة تبرر وصف الانتقال الديمقراطي بالداعشي والإرهابي، ومن ثم القضاء على التجربة من خلال أخذها بجريرة فصيل متطرف هنا وجماعة إرهابية هناك.. لا ناقة ولا جمل للمسار الديمقراطي في وجودها ونشاطها، لا بل إن الديمقراطي الذي انبنت عليه التجربة يناقض تماما منطق أي حزب أو جماعة متطرفة أو إرهابية.
الوسيلة الثانية إعلام وضيع وقح، يكذب أكثر مما يتنفس ولا يستنكف عن استعمال منهج “غوبلز” وهو أن يكذب ويستمر في ترديد الأكاذيب حتى تتحول إلى مسلمة في ذهن عامة الناس الذين أرهقهم الهم اليومي المعيش ليجدوا أنفسهم لقمة سائغة للإشاعات والتحليلات المموهة والقضايا المفتعلة..
وفي كل هذه الأطر التي جرت ضمنها مياه التجربة الديمقراطية قبل أن تستقر عند “مستنقع” الشعبوية الحالي، لا تعفي هذه المعطيات المؤثرة بل والمحددة عاملين مهمين من المسؤولية.. أولهما أطراف ونخب سياسية محسوبة على الصف الثوري والديمقراطي، لم تبن عن كعب عال في التعاطي مع تجربة الحكم وظهر افتقارها واضحا لرؤية عميقة وقيادات قادرة على مجابهة مهام الحكم وأعباء الاستحقاقات الديمقراطية والاجتماعية، فسقطت في صفقات وتنازلات نالت من أخلاقيتها وصورتها التي كانت تتمتع بها في مخيال الشعب.
ثانيا: جعلت هذه العشرية بما آلت إليه الشعب يكشف عن فئاته المختلفة بل والمتصارعة، فلقد نسينا في ظل “الأحلام الثورية”.. أن الشعب فئات.. ومن فئاته أناس مدمنو إشاعات وأكاذيب.. ومن تلك الفئات قسم لا بأس به يفتقد الحس الوطني والشعور بالمسؤولية.. بل وبيننا من لا يتردد في الإضرار ببلاده.. من منطلق النقمة.. وأحيانا خدمة لأجندات تخريبية.
ورغم مرارة هذه الحقائق وغيرها، تبقى ضارة نافعة.. لأنها تنادي كل وطني غيور وديمقراطي صادق.. حتى يراجع التجربة ويخرج بها إلى تأسيس جديد.. يرتكز على الواقعية ولمعطيات اللحظة التاريخية والاجتماعية.. ويستند لأوراق قوة فاعلة ..في زمن تتحرك فيه عجلة التاريخ على وقع موازين القوى..
وعلى قدر أهل العزم..
نبيل الريحاني
التجربة الديمقراطيةالعشريةالكارثة الاقتصادية
Comments (0)
Add Comment