ما الذي يجري في تونس؟

ما الذي يجري في تونس؟
ما الذي يجري في تونس؟
نبيل الريحاني
في كل الأعمال الوثائقية التي أنجزتها عن الشأن التونسي، وجدتني أعيد طرح سؤال بعينه في كل مرة: ما الذي حدث في 2010..؟
سؤال طرحته على كل الفاعلين من صناع الرأي والقرار..
اختلفت الإجابات طبعا، لكنها التقت عند التسليم بأن ما عرفته تونس كان على غير منوال سابق.. حتى أن قوس المحتفين بهرب بن علي وافتتاح مرحلة جديدة من بيان لتنظيم القاعدة صدر .. إلى وقفة تصفيق مطولة من قبل أوباما تحت قبة الكونغرس..
قيل وقتها إنها ثورة بالنظر لسقف مطالبها وهي تصب عند القطع مع الدكتاتورية والفساد..
وهي دون ذلك لغياب أطروحة وحزب قائد ورمز ملهم وفئة جاهزة للحكم..
إذا ماذا كانت؟.. وذاك ما كنت أطرحه في كل مرة.. على نحو ملح جعلني أتذكر نصا كتبه الدكتور علي شريعتي يحذر فيه من مخاطر ما سماها “الثورات الاجتماعية” تلك التي يصنعها الغضب من أوضاع معيشية.. ويجعل منها موجة عالية وعاصفة عاتية لا يقوى النظام القائم على التصدي لها أو حتى مجاراتها.. موجة تجرف في طريقها وجوها مستهلكة وسياسات بالية.. وعصا غليظة أذاقت الشعب الأمرين..
وفي غمرة “الانتصار”.. تجيء المرحلة الأخطر وهي التي يختزلها سؤال: إلى أين وما العمل؟
في غياب حراك فكري عميق وصناع للرأي يمارسون الاستقلالية بمعناها الجريء.. وفي غياب برنامج ما.. يتسرب الفراغ إلى مساحات المرحلة .. مانحا وقتا ثمينة لتقاطع النفوذ والمصالح القديمة كي يسترد أنفاسه ويعيد انتشاره.. ويعود إلى الساحة بوجوه مختلفة وعناوين مغايرة وأساليب تحرك مبتكرة.. من بين أهمها جرأة ووقاحة “سرقة” شعارات “الثورة” ومطالبها والعمل على احتكارها شيئا فشيئا بل والأدهى توظيفها في محاصرة من ناضلوا ضد المنظومة القديمة لتتهمهم بالفشل والفساد والمحسوبية.. ثم تتطور المحاكمة نحو الإرهاب والخيانة والعمالة.. فينتهي الأمر بالثورة الاجتماعية إلى أن تحفر قبرها بيدها.. وتمضي نحو مرحلة حالكة مستسلمة لدكتاتورية أعنف وأقسى من تلك التي قاومتها في البداية.
كلماتي العليلة هذه لا ترقى للعمق الذي حلل به شريعتي هذه الإشكالية وهو عالم الاجتماع الذي تخرج من السربون دكتورا والمثقف العضوي الذي انخرط في هموم شعبه حتى دفع حياته ثمنا لخلاصه..
والحال كذلك، تتحول المرحلة الراهنة في تونس لنتيجة.. جاءت بها تراكمات تستحق التوثيق والتأمل للخروج باستنتاجات حيوية عند التفكير فيما قد يحرك الواقع الحالي في اتجاه ما..
ففي غياب شريحة مثقفة وحركة طلابية فاعلة وإعلام بديل مبدع وخلاق وحركة فنية مؤثرة.. وفي غياب قطاع واسع من المجتمع يتجاوز القناعة بالتغيير إلى الاستعداد الواعي للتضحية من أجله.. فإن المأمول سيبقى أضغاث أحلام ترتد على أصحابها حسرات..ومغامرات تنقلب على أهلها بأتعس مما كانوا عليه من قبل..
كنت كلما طرحت سؤال ماذا حدث في 2010.. تحاصرني المخاوف من احتمالات الردة وها قد تحول الاحتمال إلى واقع..
وفي كل مرة كنت أحدث نفسي وغيري بأن الإخفاقات والانتكاسات والعثرات ثمن لا بد منه نقدمه مهرا ليوم أفضل منشود..
وها أنا مجددا أحدث نفسي رغم خطورة ما تمر به البلاد تحت سلطة شعبوية هدامة.. لعل ما يحدث ثمن لا بد من تقديمه.. كي نحسن قراءة الواقع والتعامل معه..
ولعل أم المعارك الآن هي أن يسترد المؤمنون بتونس الحرة والديمقراطية.. العناوين التي سرقت منهم.. ويكشفوا زيف موجة شعبوية تمعن في استخدام كل حق كي تطلب به أردأ أنواع الباطل.. ثم الذهاب نحو تجشم عناء
بناء الوعي الجمعي.. حتى لا يؤكل المشروع من كتف الإشاعات والأكاذيب.. والأراجيف والدسائس والمؤامرات..
وعلى قدر أهل العزم..
.نبيل الريحاني
Comments (0)
Add Comment