كان الشباب دوما في بلادنا قاطرة النضال الوطني مدافعا لا يني عن تونس أخرى مختلفة تؤمّن فيها الحقوق والحريات ويكرّس فيها العدل بين الفئات والجهات.1. في البدء كان الشباب: في البدء كانت حوادث 9 أفريل، وقد قادها علي البلهوان زعيم الشباب. ومثلما كان الشباب حاضرين في احتجاجات الحوض المنجمي سنة 2008 والحراك الاجتماعي الذي رافقها وسقط منهم الشهداء والجرحى وسُجن منهم من سُجن، فإن مشاركتهم في مواجهة دولة الفساد والاستبداد لم تتوقف البتة، فقد كان الشباب في طليعة حشود المحتجين منذ 17 ديسمبر 2010 إلى يوم 14 جانفي المشهود ومن الفاعلين الأساسيين في مُنجز الثورة بل كانوا أول من التحم بالناس وفرض حق التظاهر في الفضاء العام. 2. الشباب ووجع الإفاقة على التاريخ: بأصواتهم زيّنوا الشوارع في كل القرى والمدن التونسية ” من النخلة إلى الدخلة”، وبحماسهم، وبأجسادهم اليافعة حوّلوا دمار بلاد هتكتها أيادي اللصوص والطُغاة عَمارا،بقبضاتهم وشعاراتهم، لم يدَعوا من سماء البلاد شبرا واحدا إلا وقد حرّروه، ولا جدارا واحدا إلا وقد رسموا عليه الكلمات الممنوعة والأحلام المقموعة. أياديهم المتشابكة هي وحدها التي ارتفعت ابتداءً في مواجهة آلة القمع ” لتنزع آخر وهم من قشرة دولة صارت بلا هيبة”، وحناجرهم وحدها هي التي أطلقت لنفسها العنان بترتيل أبيات بيّنات من نشيد الإرادة الماحي للرُّهاب:”لا خوف لا رعب السلطة ملك الشعب”. أصواتكم كانت لنا أصواتا، وقبضاتكم كانت لنا قبضاتٍ وكلماتكم كانت لنا كلماتٍ، وكانت أياديكم من أيادينا وكنتم كما الوطن، كما الآن وغدا، جميعا في مآقينا. بحجته القاطعة، واجه شباب بلادي القوة الغاشمة، وبصدور عارية واجه خوذاتهم الواقية، وبراياته الزاهية كسّر الشباب قوتهم العاتية. بفايسبوك وتويتر، بالمدوّنين منكم و”بالرّاب”: دوّختم ظالما وقهرتموه وأذهلتم عالما وأبهرتموه: من هنا ” الجنرال” وأهزوجته “ريّس البلاد”، ومن هناك مجموعة أرمادا بيزارتا Armada Bizerta وأغنيتها Ne touche pas ma Tunisie بتوازن الرّدع أسقطتم توازن الرعب، ومنه اشتعلت نيران الغضب الساطع فكانت ” أوجاع الإفاقة على التاريخ العاصف”، “طفح الكيل أمام محمد البوعزيزي، العامل البسيط، فأراد أن يعلّم الناس أجمعين أنّ موازين الفساد لا بد أن تحترق”، واحترق الشخص فولد الرّمز وشاع بين الخلق عنوانا للكرامة المهدورة والحقوق المهضومة. 3. الطّلل البالي وسِفر الخروج: هم “الغاشية” في سِفر الظلم والقهر، ونحن”المستهلّ” في كتاب الحلم والتوق: تحررا وتحريرا، تحديثا وتنويرا.هنا النحن جمعا وجمع الجموع وهم الشدة الكاذبة وقيعة سراب بدأ خُلَّبٌأ. ونحن الآن وهنا أمام منعطف من كتاب تاريخ تونس، نريده مع من أبى ووفى ولم يعتُ على من عتا، مضيئا، عسى أن نأتي من نار الممكن بقبس لا يخبو إلا ليشتعل من جديد هنا والآن في ضمائر كل الذين من حقهم أن يحلموا صاحين، نكتبه وإياكم بمفردات: ” الخبز والحرية والكرامة الوطنية ” لكل الفئات وكل الجهات، ومن قد حُرِم. ” الثورة تولد مجنونة ” إلا أنّ ذلك الجنون لم يحصل في تونس بفضل:- التخلي عن قانون العزل السياسي- والمراهنة على تحصين الثورة بقانون العدالة الانتقالية وأفق المصالحة الوطنية،والانزياح التام عن أي استثناء أو إلغاء أو إقصاء. ولكنّ أكثر ” الطُلقاء”، وكثيرا من ” الفرقاء” لا يستوعبون ولا يرعوون. ورغم الانحناء في رهان التنمية العادلة ومأزق الحلول الاقتصادية والاجتماعية غير المجزية وأخطاء حوكمة النخب السياسية للشأن العام وإهدار الكثير من أهداف الثورة،،، ورغم الوباء ورغم البلاء،، ورغم الترنّح ستظل البلاد مالكة لزمام انبعاثها حتى من الرماد تماما كطائر الفينيق، وسيظل زمام ” عودة الروح” إليها في حماية” التعادلية ” التي قامت عليها تجربتها الديمقراطية الناشئة على تعثراتها، وفي “التوازن” الذي قام عليه تنظيم السلط العمومية على ثغراته، وفي قطع طريق الإياب عن أية عودة محتملة للأتوقراطية، سفر تكويننا في ابتداء، سفر تكوينهم في انتهاء، وإنّا لنقرأ أسماءهم واحدا واحدا في سِفر الخروج.”العصفور انطلق في سماء الحرية” وحلّق عاليا “ولن يعود إلى القفص، ولن يرضى بالفُتات” ، و”خارج الحرية لا يوجد تاريخ” والرهان الرهان كل الرهان على كفّة الميزان، التاريخ كله في الميزان، وخارج الميزان لا يوجد تاريخ.14 جانفي الحدث المفخرة: يكفي التونسيين شرفا فيه أنهم أطاحوا بدكتاتورية وأنهم اجترحوا فيه طريقهم لبناء الديمقراطية،وأنهم فتحوا الطريق لأشقائهم لكي يكونوا، وأنهم أسسوا لأنفسهم موطئ قدم راسخة داخل حركة التاريخ، التغيير في الذهنيات حاصل وفي المؤسسات، صحيح انّ الطريق وعر ومدخله صعب، والمخاطر الحافة به كثيرة ومعقدة ومتعرجة،والمآزق والمزالق محدقة، ومع ذلك لن ينكسر لديمقراطيتنا جناح، لا سياسيا ولا اجتماعيا،والآتي أفضل، غدا يبدأ اليومولن يكون للأمس، ايّأ كان هذا الأمس، ولا للالتفات، أيّأ كان هذا الالتفات ولأية جهة كانت، أي مكان: إن هو إلا حنين المنكسر.
د. زهير بن يوسف