السيّدة المنّوبيّة أو الرّوحيّة الشعبيّة بصيغة المؤنّث

السيّدة المنّوبيّة أو الرّوحيّة الشعبيّة بصيغة المؤنّث

زهير بن يوسف

نحن مع عائشة المنوبية( ت665/ 1267؟) إزاء أنموذج ولائي نسائي متفرد يشكل حالة استثنائية في تاريخ الحركة الصوفية المغاربية إذ أنها الانموذج النسائي الأوحد الذي اختصه كتّاب المناقب بسيرة مفردة ممّا يشي برصيد الهيبة الذي كانت تحظى به واقعا ومخيالا.

  1. معجزة المهد أم صدمات ما قبل الولادة؟

 اللافت في هذه السيرة احتفالها بظاهرة الكرامة احتفالا لافتا إذ تتوزعها مناقب “السيدة” في حياتها ومناقبها في مماتها  ومناقبها قبل أن تأتي إلى هذا العالم، فقد روى محرر مناقبها “أنها تكلمت في بطن أمها”، وهذه عينة أنموذجية من ثمانين كرامة “جرّبت لها وهي في بطن أمها” شاهد عددا منها “أربعون سيّدا من أهل العلم” فهل نحن إزاء أمارات للولاية مبكرة تذكّر بمعجزة المهد في الأنموذج اليسوعي ولكن بسلطان للولاية على الزمان أوسع من سلطان النبوة، ومن ثمّة فنحن إزاء آلية من آليات الخطاب المنقبي في إكساب ظاهرة الولاية نوعا من المشروعية الأسطورية أم أنّ الأمر لا يعدو أن يكون مجرّد صدمات نفسيّة لفترة ما قبل ميلاد الولية قد تفسّر إلى حدّ ما فقدانها اللاحق لتوازنها العقلي؟ وسيشهد المنحى الولائي في شخصية “السيدة ” تراكما كميا ونوعيّا على امتداد كامل مراحل حياتها بدءا بالجذب، وهو تفضل من الله على عبده بالولاية دون أن يتحمّل الوليّ مجاهدة السلوك، وانتهاء بالقطابة، أعلى درجات الترقّي المعرفي والروحي عند الصوفية. فمن تكون هذه المتصوّفة التي شكلت في تاريخ الظاهرة الولائية بتونس وبلاد المغرب استثناء لافتا؟

2. إرادة انتساب أم ارتباط تاريخي؟

تنفرد مناقب المنّوبية بإعلان انتساب وليتنا إلى التيار الشاذلي لقولها “أنا شاذلية وقطبة أقراني“، وهي وإن كانت معاصرة لأبي الحسن الشاذلي فإنّ المصادر المنقبية المتصلة بالفترة لا تنص عليها في عداد أصحابه، كما أن ابن الصباغ لا يذكرها في “روض العارفين”، ولا أشار في “درّة الأسرار” إلى تتلمذها المحتمل عليه ممّا يجعل هذا التتلمذ مدعاة للشك ويجعل انتماء السيّدة إلى المدرسة الشاذلية وبالتالي إلى المدرسة السنيّة في التصوف مسألة بحاجة إلى الإثبات لاسيما أن مناقبها تعلن تتلمذها لكل من رابعة العدوية والجُنيد  وعبد القادر الجيلاني وابن الفارض  فضلا عن الشاذلي الذي “أعطاها خاتمه وقال لها: أنا أوليتك طريقتي وأعطاها علمه وصبره” ممّا يمكن أن يُحمل على أنه انتماء روحي وإرادة انتساب أكثر ممّا يمكن أن يُحمل على أنه ارتباط تاريخي، أو هو بحث من الولية نفسها أو من محبّر سيرتها الأنموذجية عن إضفاء نوع من مشروعية ” زمن البدء ” على الأنموذج الولائي الذي تروّج له عبر تأكيد امتداد جسور التواصل بينه وبين أكثر المرجعيات النظرية والسلوكية استقطابا للمجال المحلّي في عصرها خاصة مع تزايد حاجتها إليها أمام تنامي موجة الانتقاد لسلوكاتها والاعتراض على ولايتها.

  • المنّوبيّة و كسر المألوف من الأخلاق الاجتماعية

 إذا كان انتساب السيدة المنوبية إلى التصوّف السنّي أمرا مشكوكا فيه فإنّ في سيرتها الأنموذجية من القرائن ما يمكن أن يعتمد في تصنيف تصوّفها حيث جاء أنها من “أهل التصريف”، والتصرّف مصطلح صوفي يعني القدرة على تغيير مجرى الأشياء والأحداث وفقا لرغبة الإنسان، ومن آيات ذلك أنها كانت تقول: “الكون كله في يدي“، وجاء أيضا أنها كانت من “أهل تخريب الظواهر“،  والتخريب في المعجم الصوفي يعني خرق المألوف من الأخلاق الاجتماعية والتجاهر بذلك علنا، ومن أبرز ما كانت تؤاخذ عليه اختلاطها بالذكور في الأماكن العامة ” تخاطب الرجال ويخاطبونها وليس لها زوج “، وهذا ما لا تستسيغه القيم الذّكوريّة إذ تفصل بين مجتمع النّساء ومجتمع الرّجال وتحجّر عليهما كلّ اختلاط، ومبيتها مع الرجال خاصة أنه ” كان لها جمال وحسن فائق وإذا نظر إليها الناظرون يفتتنون“، وهذا مما يدخل في دائرة الحرام من وجهة نظر علماء الظاهر زيادة على الإقذاع في القول كردها العنيف على الفقيه محمد الهواري أحد رواة الحديث بجامع الزيتونة لما استفسرها مستغربا عمّن حفظت القرآن ” قالت له: يا ديّوث، قرأت على ربّي“. جنونها ومن ثمة فقدانها لعقلها وإتيانها لغير المسؤول من الأعمال والأقوال.

  • إمرأة ظاهرها جنون وباطنها فنون

مما جاء في سيرتها المثالية أنها من أصحاب الأحوال، فقد عقّب أحد الوزراء من أسرة بني النعمان الهنتاتية المتنفذة على القاضي البهاوي لمّا عبّر عن رغبته في إنزال عقوبة بدنية بها بقوله:”ما بقي لك إلا شمعة بلادنا فسلّم لها حالها “، وقيل عنها إنها “مهبولة“، ظهر عليها ذلك ولمّا تتعدّ الطفولة إلا أنّ “جنونها” هذا الذي سيلازمها طيلة حياتها لا يعبّر بحسب المخيال عن اختلال في المدارك العقلية وبالنتيجة عن حالة مرضية بقدر ما  يعبر عن ظاهر سلوك يستبطن حالة روحية ومعرفية مغايرة، ألم يشهد لها الفقيه محمد الأوري إمام جامع الصفصافة بأنها “امرأة… ظاهرها جنون وباطنها فنون“، ألم تقل هي ذاتها عن نفسها في إطار مفاخراتها: “أنا سكرانة طول حياتي وفي مماتي، وفي قبري إذا سألني الملكان يجداني هائمة وإذا لقيت ربّي نلقاه سكرانة“،  إننا ها هنا إزاء رصيد معجمي شطحي تعبّر به وليتنا عما ” تجده ” في نفسها من ” أحوال ” في صورة كلام غير عادي، كلام تلقائي منفلت غير خاضع لأية رقابة أو تنظيم، ومن ثمّة فإننا مع جنون “السيدة” وسكرها وهيامها إزاء حال أي إزاء غيبة عن الذات وعن وجودها الخارجي وبالتالي إزاء سلوك عرفاني يفصح عن انتماء ولائي ملامتي مبكّر سابق لأحمد بن عروس.علما أن مقام الملامي كما يحدده ابن عربي  هو “مقام العبودية” و”مقام القربى” الذي لا مقام يليه غير مقام النبوة. ولما كان الشطح الصوفي “دعوى” يفصح عنها المتصوف بعبارة مستغربة غير منضبطة عامة وليست هذه الدعوى سوى دعوى الاتّصال بالله وحصول نوع من الاتحاد بينه وبينه فلا بدعة أن تدّعي السيدة أن الله استودعها ” سرّه وحكمته ” بل تزعم أنّ الله “زارها وأعطاها وكلّمها وأيّدها وطهّرها واصطفاها” بل إنها لا تتورع عن إعلان مطلق سلطانها على الأرض ومن ثمة على “الأشباح” اعتبارا لانحصار الاستخلاف الإلهي للإنسان في شخصها وبالتالي حظوتها بنوع من ” التفويض الإلهي” كانت بمقتضاها “خليفة الله في الأرض” و”نائبته“.

4. القيادة الروحية العليا بصيغة المؤنّث:

الظاهر أن سلوك المنوبية “التخريبي” قد جعل ولايتها موضع جدل واسع وذلك ما نلمسه من خلال جدلية الاعتقاد والانتقاد التي خضعت لها سيرتها، ولعل شدة الاعتراض على الأنموذج الولائي الذي تجسده من قبل الأوساط السنية هو الذي يفسر حشد خطاب المناقب لكل المرجعيات التي من شأنها أن تكرس مشروعية ولايتها ويبرّر علاقتها المتوترة مع الفقهاء فيحشد  في تأكيد هذه المشروعية ليس قداسة السماء  وإنما أيضا المثل الأعلى المحمّدي لقولها: “ رأيت رسول الله (ص) 25 مرّة في البداية، و25 مرّة في النهاية، و25 مرّة في الكمال و25 مرّة في تمام السرور، وقال لي وكلّمني وسقاني بيده وصافحني“، والمثل الأعلى النبوي مطلقا، حيث صرحت في بعض مُفاخراتها بأنها ” ممّن درس في الكتب والعلوم وممّن قرأ في سالف الدهور“، والمثل الأعلى الراشدي ممثلا في تتلمذها الرمزي لأبي بكر الصديق، “أعطاها وفاءه ” ولعمر بن الخطاب، “أعطاها عدله ” ولعثمان بن عثمان، “أعطاها حياءه“، ولعلي بن أبي طالب، “أعطاها علمه وزهده ووقاره وشجاعته“، والمثل الأعلى الولائي: التقى بها في ليلة واحدة 770 وليا “أخذوا عنها العهد وتأدبوا بين يديها وأولتهم الطريق” وقدّمها الجيلاني على طريق القوم وتأدب بين يديها وشهد لها بتفوقها الامتيازي في مجال الولاية وجعلها حلية الأولياء، وانتهج الجُنيد قبله معها نفس المسلك وكذا فعل أبوالحسن الشاذلي. وحتّى تدرك “السيدة” كمال الولاية لينعقد لها بذلك مطلق السلطة على العالمين يجعل خطاب المناقب بلوغها مرتبة القطابة، وهي أقصى درجات الولاية، منعقدا بإجماع ” عشرة آلاف وليّ قدّموها وقالوا لها أنت قطبتنا… قدمناك ورفعنا لك البيعة” ولم تحظ بهذا الإجماع من “الأولياء” إلاّ بعد أن تلقت العلم اللدني تماما مثلما هو الشأن بالنسبة إلى النبوة بواسطة أحد الملائكة لم يكن جبريل حامل الوحي هذه المرّة وإنما كان ميكائيل.

لقد استجمعت في شخصيتها الولائية كل خصال القدوة القيمية والسلوكية وكل “الامتيازات” التي حَظي بها الأنبياء والرسل والقيم المثلى التي تجسد المثل الأعلى السنّي والولائي معا وهي الخصال التي لن تكتفي فقط بإضفاء المشروعية على ولايتها وإنما سترتقي بهذه الولاية إلى مرتبة الكمال الإنساني و”الإنسان الكامل، على حد تعبير الجيلي، نسخة الحق”.

هكذا فرضت “السيدة” نفسها على الجميع “قطبة الرجال وقطبة الأشراف“، “قطبة الأقطاب وفارسة الإخوان” بل “قطبة الزمان“. ولا يستعلي أنموذجنا الولائي النسائي فقط على الرجال في مجتمع ذكوري يكرس دونية المرأة مما يمكن أن يحمل على أساس أنه انتصار ” بالقوة ” للمرأة على مجتمع يستدنيها ويهمّشها ويقصيها بالفعل.

  • ولاية النساء والحماية الاجتماعية:

يبدو أن ما كان لوليتنا من قدرات خارقة، حقيقة أو انتحالا، قد جعل تدخلاتها تتضاعف إما انتصارا للضعفاء والمقهورين وإما انتقاما من الظلمة والجبارين. وانحياز السيّدة المنوبية للفقراء وفئات أدنى الهرم الاجتماعي يبرز بشكل صارخ في كراماتها، فيتجلى بالقوة في ابتهالاتها كما في قولها:”اللهم صلّ على محمد حبيب اليتامى ومؤنس الفقراء والمساكين وأنيس الغرباء” كما يتجلى بالفعل في سلوكها الاجتماعي: كانت الولية مع ورعها تعيش على التوكل إلاّ أنها كانت ترصد كل دخلها للمحتاجين، “كان كل يوم يدخل لها 500 دينار تصرفها في سبيل الله وإذا بات ناصري تقول الليلة باتت عبادتي ناقصة“،  مما يمكن أن يحمل على أنه نوع من الانعكاس داخل المخيال الجمعي لحاجة المجموعة إلى الحماية الاجتماعية في ملابسات تميزت بانعدام الأمن واطراد المظالم وتنامي تجاوزات أجهزة السلطة، ولذلك فلا غرابة في أن نراها وقد هبّت لمساعدة رجل فقير من أصحاب العيال عجز عن توفير ذبيحة عيد الإضحى فمنحته عشرا، أو أن تخفّ لإطلاق سراح أسرى المسلمين ببلاد الروم أو أن تقضي دَين بعض المحتاجين أو أن توفّر الحماية للمستجيرين بها أو أن تنصف بعدل الولاية فارّا من قهر السلطة، بل إن دائرة صلاحياتها قد تصل إلى ما وراء الصحاري والبحار تأمينا للقوافل التجارية من إغارات قطاع الطرق أو فكا لقيد المساجين.

  • الولية المُرهبة أو ردّ فعل المجتمع على “العنف المدنّس:

إنّ حِلمَ الولية وإبهارَها لم يكن ليضاهيه إلا عنفها وانتقامها. ألم يُجْرِ خطاب المناقب على لسان السيّدة المنوبية قولها: “أنا والله جزارة شفرتي في يميني، وسيفي في يساري” إنه نوع من الخطاب العنيف إلا أن العنف  فيه “مشروع”، بما هو مسلط بالأساس على السلطة السياسية بمختلف رموزها وممثليها، وهو موجّه بدرجة أقلّ ضدّ منتقدي مؤسسة الوَلاية والمعترضين عليها من رموز ثقافة السلطة نعني القضاة والفقهاء مما نفترض في ضوئه أنّ خطاب “العنف المقدس” الذي تروّج له أخبار المناقب إن هو إلا شكل من أشكال ردّ فعل المجتمع، من خلال شخصية الولي الخارقة، على “العنف المدنس”، العنف الذي تمارسه السلطة السياسية على المجتمع.

 ومن هنا ندرك تعبير الكتابة المنقبية عن “المُنكبت” في لاوعي المجموعة و”المُنقمع” في قرارات بنائها النفسي تعبيرها عن تلك الجدلية التي تبدو أزلية أبدية في المخيال الصوفي جدلية الحاكم والمحكوم، جدلية السلطان السياسي ومُخلّص المجموعة، جدلية قهر السلطة وعدالة الولاية. فقد انتقمت من السلطان الذي استهان بها بحرق ذقنه ولم تصفح عنه إلا بعد أن اشترطت عليه هبوطه إليها من القصبة حافيا، وهي التي تنبأت بمقتل أحد الخلفاء الجائرين لمّا أمر بفرض ضريبة غير شرعية استدعت استنكار بعض العلماء ممّا كلفه الإقامة الجبرية بمنزله، أما شيخ  منوبة و”كان رجلا باغيا ظالما فاسقا مجاهرا بالمعاصي والفجور”، فقد حكمت عليه بأن “يمحى اسمه من الزمام “، كما قضت بالموت على 27 تاجرا بسوق الرّبع اعتدوا على بعض فقرائها أسقطت عليهم سقوف حوانيتهم، وهو نفس العقاب الذي سلطته على 10 تجّار آخرين قدحوا في عرضها، وانتهى البهاوي قاضي الحاضرة وكان ممن يلحون في إنكار ولايتها والتشكيك في سيرتها إلى نفس المآل، ولأنّ القتل هو أرقى أشكال العنف المقدس لدى الولي وأعلى أشكال ردّ فعل الإنسان المقهور على العنف المدنس فإنّ الخطاب المنقبي ينسب إلى هذه “الولية الجزّارة” قتل 500 جبّار في حال الحياة و500 جبار في حال الممات”. فأي صنف من أصناف التصوف كان يتجسّد في هذا الأنموذج الولائي النسائي، وأي مثل ولائي أعلى تسعى المناقب المتصلة به إلى ترويجه؟

  • أزمة المؤسسات وأزمة المجتمع:

رغم أن سيرتها تنسب إليها فقراء ومريدين وأحبابا ورفاقا وأصحابا في مقدمتهم علي السنفاج وعلي القرجاني  فإن اعتكافها المتواتر بزغوان وخروجها “هائمة في الجبال والقفار” دون أن يعلم لها موضع فضلا عما تنص عليه وصاياها من تفضيل “للخلاء” و”الخلوة” و”الفرادة ” يجعل تصوّفها أدعى إلى تصوّف الأفراد بل إن مناقبها تتخذ موقفا صريحا من التصوّف شبه المنظم ألم توصِ مريدها عثمان الحداد بقولها: “باريك اجتماع الفقراء في هذا الزمان لأنّ اجتماعهم غش وقلوبهم بلا أنس وذكرهم بلا حسّ” وإذا ما ربطنا هذا الموقف بقولها على لسان محمد المرجاني: “إياك وخلطة أفراخ الزنا.. الوساوس سكان الزوايا وسكان المدارس فهم إخوة الأبالس” أدركنا أن الأمر يعبّر عن مؤشرات ردود أفعال معادية لانتشار صنف التصوف الذي سينتظم حول مؤسسات قارة هي الزوايا وسيتنامى داخل المجال المحلّي انطلاقا من القرن XIII/VII لينافس تصوف الأفراد وربما تجاوزه وقطع معه. كما يجوز أن يعبّر، على غرار أزمة الرّباطات، عن أزمة الزّوايا من حيث إمكانيّة انزياح بعضها عن مهامه الأصليّة وانزلاقه باتّجاه مسارات أخرى.

ولعلّ في توجهات “السيدة” الملامتيّة ما يبرّر دفاعها عن تصوّف الأفراد إذ الظاهر أن التيار الملامي كان يواجه أزمة انتشار في الوسط المحلّي المتجذر في السنة المالكية والمناهضة لكل مسلك روحي يقوم على “التخريب” حتّى أنّ المنّوبية قد ظلت تردّد بحسرة إلى آخر رمق في حياتها: “ولا آنية نظيفة نضع (كذا) فيها سرّي” رغم أن قرارها كان قد استقر على استيداع عثمان الحداد هذا السر فاستكمل شرائط الولاية وأدرك كمالها.

على أنّ ” السيّدة” وإن كانت شديدة الوفاء لتصوف الأفراد فإن ذلك  لم ينخرط بها في “الانقباض” عن الناس، بحيث تبدو سيرتها استئنافا  لتقليد “الانبساط” وذلك عبر الإحساس بمشاكل الإنسان اليومية والتعاطف الفعلي مع المحرومين والمقهورين. بحيث يبدو المثل الأعلى الولائي الذي تروج له سيرتها مثلا ولائيا بقدر ما “يقطع” مع كثير من تقاليد التصوّف السنّي بقدر ما يبقى تفاعله معه قائما.

د. زهير بن يوسف

Comments (0)
Add Comment