منعرج 15 جانفي 2011: الحلم وأجنحته

د زهير بن يوسف

1. قبل لحظة الفرار قبل لحظة الفرار الكبرى، تسلحت فلول الدكتاتورية بالهراوات من لجان تنسيق الحزب الحاكم المنحل في مدن مختلفة بالبلاد، وداخل مقرات الشُعب الدستورية، وانطلقوا بها في الشوارع الرئيسة، ممطرين المحتجين على انتهاكات آلة القمع بوابل من الحجارة. 2. ” بن علي هرب” ما إن تأكدوا من أنّ ” بن علي هرب”، بعبارة الناشط الحقوقي عبد الناصر العويني التاريخية، حتى تجيشوا: ميليشيات وعصابات، لإغراق البلاد في حالة من الفوضى العارمة وانفلات أمني أرادوه تاما، كما تجيّشوا وجيّشوا لانتهاب المحلات العامة، وبعضهم، ممّن هم معروفون بأسمائهم واحدا واحدا، مُورّط فيه، ” غانم” منه، تورطه في ” ثقافة ” العصا الغليظة”.. بالمقابل تداعت فعاليات المجتمع المدني: “نقابيين وحقوقيين وسياسييين ورجال قانون وأطباء وشخصيات عامة مستقلة ومثقفين ومبدعين وفنانين وكتّابا وأكاديميين”، بمختلف أنحاء البلاد: مدنا وقرى ومداشر وأريافا، وعيا منها بخطورة وضع الفراغ الأمني الطارئ إلى الإعلان عن تشكيل لجان سمتها لجانا شعبيّة للدفاع المدني كانت أولى أولوياتها حماية المواطنين والممتلكات العامة والخاصة. 3. الدفاع المدني والتضامن المواطني بالعودة إلى ” الأدبيات ” التي ستعبّر عن أولويات جانب محترم من التونسيين والتونسيات محليا و وطنيا، كما في مثال بيان اللجنة الشعبية للدفاع المدني بمدينة باجة في 15 جانفي 2011، نتبيّن جوانب مهمة من طبيعة الحلم الذي راود النُّخبَ التونسية، لحظة كانت “على قلب رجل واحد”، والأجنحة التي كان يحلّق بها هذا الحلم في سماء تونس الحرة. فقد أعلنت هذه النخب ابتداءً عن تشكيلها لهذه اللجان “للدفاع عن المواطنين”، كل المواطنين دونما تمييز أو تصنيف أو مفاضلة أو فرز ، على أساس أن التونسيين والتونسيات جميعا ، بصرف النظر عن كل التصنيفات، شركاء في الوطن، و” للدفاع عن الممتلكات الخاصة والعامة”. 4. المجتمع المدني ومطالبه دعا نشطاء المجتمع المدني إلى تكوين “حكومة ائتلاف وطني” ” تضم جميع الفعاليات التي ناضلت ومازالت تناضل من أجل الحرية والانعتاق والعدل” يكون من بين أدوارها العاجلة: أ. ” تحقيق أمن فعلي” ب. أمن “يسمح بالإعداد لانتخابات رئاسية وتشريعية سابقة لأوانها تضمنها آليات دستورية ديمقراطية و شفافة”. وفي ذات اللحظة التي نادى فيها هؤلاء النشطاء، وقد كنّأ منهم، ” بإعادة بناء النظام الجمهوري الذي يحترم إرادة الشعب” بالفعل والواقع والحال،.طالبت “بمراجعة فورية للقوانين المنظمة للحياة العامة ” على غرار قانون الصحافة وقانون الأحزاب والاجتماعات العامة والمجلة الانتخابية. كما نادوا” بتعليق الدستور وتعديله بما يضمن حرية الترشح والتداول السلمي على السلطة. وانتبهوا إلى مطلب ناضلت من أجله أجيال من الحقوقيين والنقابيين والسياسيين التونسيين حيث نادوا ” بسنّ العفو التشريعي العام”، وبالتزامن مع ذلك نبهوا إلى ضرورة استثناء من وسموهم ” بالقتلة والمجرمين واللصوص وجلادي الشعب” من هذا العفو، وطالبوا بالمقابل “بإحالتهم على القضاء” في كنف الحق في التمتع بشروط المحاكمة العادلة التي يضمنها القانون الدولي والتشريع المحلي، معبّرين في اللحظة ذاتها عن تمسكهم بمبدأ استقلالية القضاء ورهانهم على عدله. 5. التوانسة وحلم المدينة دعت فعاليات المجتمع المدني ونخب المجتمع في خاتمة بيانها الأول هذا المجموع العام للناس في رسالة تطمين بليغة ، عميقة ودالة، كانت موجهة لجميع التونسيين، رغم اندفاعة الفورة الأولى للثورة، – لا لتصفية الحسابات، – وإنما إلى تصعيد إرادة الجميع من أجل تحويل ” الفوضى الجارية” إلى ” مؤسسات حقيقية، وتشريعات عادلة، وتنمية متكافئة بين الجهات والفئات” بالتزامن مع التشديد على ضرورة “التصدي لقوى الردة ومحاولات الالتفاف البائسة على مكاسب ثورة الشعب” 6. التاريخ تاريخان: إنما كتبت هذا للتاريخ، ولاسيما تاريخ من ينكرون أنهم كانوا من بُناة دولة القمع وأولئك الذين لم يكونوا في السلطة المضادة لها شيئا مذكورا ذلك ان بناء ذاكرة الحرية تماما مثل بناء ذاكرة القمع جانب كبير من تاريخ الشعوب المنكوبة، وكم نحن بحاجة إلى تثبيت الذاكرة، فما التاريخ، على حد تعبير ابن الأثير، إلا “مَعادٌ معنوي،،،به يستفيدُ عقولَ التجاربِ من كان غِرًّا،،، وهل الإنسان إلا ما أسّسهُ ذِكره وبَناه؟ وهل البقاءُ لصورة لحمه ودمه لولا بقاء معناه؟!”. د. زهير بن يوسف

Comments (0)
Add Comment