الصحافة الاستقصائية: بين تحديات الواقع والآمال المنشودة

بدأت الصحافة الاستقصائية تشق طريقها ببطء في تونس للكشف عن حقائق ومساءلة الفاسدين وإنارة الراي العام رغم اصطدامها بواقع سياسي واقتصادي لا يستجيب لحاجيات هذا النوع الصحفي الطامح للتغيير.

تنطلق حرب الصحفي الاستقصائي الباحث عن كشف حقائق غامضة وملفات يعتبر الحديث عنها خط أحمر منذ تخصصه في ماجستير الصحافة الاستقصائية حيث أن طالب الصحافة الاستقصائية يواجه صعوبات في بداية مسيرته . تقول الطالبة بالسنة اولي صحافة استقصائية رانية رزيق :”رغم أن هذا التخصص كان حلما بالنسبة لي خاصة وأنه انقطع لمدة طويلة ثم ادرج ضمن الماجستير إلا أنني حقيقة واجهت عدة صعوبات في بداية مسيرتي من أهمها ضيق الوقت إذ أن العمل الاستقصائي يتطلب مدة زمنية طويلة أما الصعوبة الثانية فتتمثل في صعوبة الوصول الي المصادر وضمان السلامة الجسدية وتضيف الطالبة رانية رزيق: “رغم هذه الصعوبات لا يمكن أن ننكر أن هذا الماجستير يعتبر قيم من ناحية التكوين وخاصة أن هذا التخصص قد يساهم في نقلة نوعية في تونس وتكوين جيل جديد من الصحفيين الاستقصائيين في ظل مشهد إعلامي يغيب فيه العمل الاستقصائي ” وتجدر الإشارة إلى أن الماجستير المهني في مجال الصحافة الاستقصائية أطلق لأول مرة بمعهد الصحافة وعلوم الاخبار سنة 2013 ويعد من أهم الماجستيرات التي تم بعثها بعد الثورة ويقول الطالب بالسنة أولي ماجستير صحافة استقصائية معتز بالله : ” من أهم الصعوبات التي واجهتها أن هذا التخصص يتطلب جهدا ووقتا وإمكانيات مادية قد لا يستطيع الطالب توفيرها” أما الطالبة بالسنة ثانية ماجستير صحافة استقصائية اميرة زغدود فتعتبر أن هذا التخصص يستوجب الكثير من الصبر والشغف ومن أبرز الصعوبات التي قد يواجهها طالب الصحافة الاستقصائية عدم تعاون بعض السلط او الادارات في منح المعلومة للكشف عن حقيقة

هذه الصعوبات والعقوبات التي تحيط بالصحافة الاستقصائية وهي تشق طريقها في الكشف عن المسكوت عنه تتزايد بعد أن يبدأ الصحفي الاستقصائي في تبني عمل استقصائي لنشره في مؤسسة إعلامية.

يقول الصحفي الاستقصائي معز الباي :لم تكن البيئة وردية أمام هذا المولود الجديد -الصحافة الاستقصائية- وإنما تحيط بها عدة عوائق تبدأ من موضوع البحث الاستقصائي باعتبار أن هذا النوع الصحفي يهدف إلى كشف حقائق مزعجة لأطراف معينة وجهات نافذة في اتجاه تغيير الواقع نحو الأفضل وبالتالي دائما توجد مواجهة بين الصحفي الاستقصائي والجهات التي تحاول إخفاء الحقائق سواء كانت جهات سياسية أو مالية وجماعات جريمة منظمة أو جماعات إرهابية وتصبح المخاطر علي سلامة الصحفي الاستقصائي ذات حدة بارزة أما الصعوبة الثانية فتتعلق بالمشاكل المادية لأن أغلب الاستقصاءات الصحفية في تونس تبني علي جهد فردي لأنه من الصعب جدا أن تتبنى المؤسسات الإعلامية تحقيق استقصائي من البداية إلى النهاية خاصة أن هذا العمل موجه ضد جهات فاعلة قد تضر المؤسسة فالمؤسسات الإعلامية جلها أن لم نقل كلها تخضع لسلطة الجهات الفاعلة فيضطر الصحفي الاستقصائي الي إنتاج بحثه الاستقصائي بإمكانياته الفردية ثم يلجأ لجهة النشر كذلك هناك صعوبة الوصول الي المصادر وايضا حماية هذه المصادر لأنها عادة ما تكون هشة ومعرضة للخطر وبالتالي يتحمل الصحفي مسؤولية كبري في حماية نفسه ومصادرة أثناء التحقيق وخاصة بعد النشر تبدأ الضغوطات علي الصحفي وجهة النشر والاغراءات وقد تصل الي التهديد بالقتل” وفي تساؤل حول القوانين التي تحمي الصحفي الاستقصائي أجاب محدثنا: “في البحث الاستقصائي حتي وان كانت هناك قوانين فهي غير مفعلة لان الصحافة الاستقصائية تكشف المارقين عن القانون وحماية الصحفي أكثر تعقيدا من مجرد سن قوانين بل لابد أن تكون حماية مؤسساتية ،حماية امنية وحماية شخصية . ويضيف محدثنا :”قد يلجأ الصحفي أحيانا الي إخفاء هويته لحماية نفسه رغم أنها تتعارض مع أخلاقيات المهنة لكن توجد استثناءات لهذا المبدأ من أجل حماية الصحفي” وفي حديثه عن تجربته في مجال الصحافة الاستقصائية يقول الباي: انا شخصيا تعرضت لتهديدات بالقتل إثر نشر تحقيقات استقصائية لكن تمكنت من حماية نفسي من خلال الالتزام بأخلاقيات المهنة وتجنب الوقوع في أخطاء قد تدمر تحقيقي أو تعرض حياتي للخطر فالصحفي لابد أن يتعامل بذكاء ومهنية مع مصادره لأنه الوحيد القادر علي حماية نفسه ومصادره ويصف معز الباي الصحفي الاستقصائي بالقناص الذي إذ أخطأ في تسديد طلقته قد تنقلب عليه وتري الصحفية الاستقصائية مبروكة خذير أن واقع الصحافة الاستقصائية خاصة بعد الثورة تدعم وكانت هناك محاولات فردية من أجل دعم هذا النوع من الصحافة لكن مقارنة بمنسوب حرية التعبير في تونس لازال العمل الاستقصائي في تونس منقوصا بسبب عدم انصهار المؤسسات الإعلامية المكتوبة والمسموعة والمرئية في مثل هذه الأنواع من الصحافة التي تعد صحافة الجودة وعادة ما تنشر محاولات الصحفيين الاستقصائيين علي مستوى دولي ولا تتبنها وسائل الإعلام المحلية باستثناء برنامج الحقائق الأربعة التي تعتبره الصحفية مبروكة خذير لا يستجيب للجانب العلمي  في الصحافة الاستقصائية لكن في ظل الفراغ الموجود يعد هذا البرنامج مكسب في مجال السمعي البصري أما في المجال المكتوب فهناك محاولات جيدة نوعا ما علي غرار وحدة الاستقصاء التابعة لوكالة تونس أفريقيا للأنباء أما علي المستوى البيداغوجي فمن المفرح جدا أن يكون لنا اليوم ماجستير صحافة استقصائية لكن لابد أن يدعم هذا الاختصاص بصحفيين استقصائيين يشرفون علي تدريس هذا الاختصاص .وفي الحقيقة هناك محاولات من مديرة المعهد حميدة البور لبعث صحفيين معروفين في هذا المجال للتدريس حسب الصحفية مبروكة خذير وترى مبروكة خذير أن ما لدينا اليوم من ملفات فساد وما تعيشه اليوم البلاد من أزمات نابعة عن فساد في كل المجالات يستوجب أن تكون الصحافة الاستقصائية هي القاعدة وباقية الأشكال الصحفية الأخرى هي الثانوية لان الكشف عن ملفات الفساد لم يأخذ حظه في مجال الإعلام وهذا نابع من عدم وعي المؤسسات الإعلامية بقيمة هذا النوع من الصحافة إضافة إلى تركيزها علي ملفات الآنية وإهمال الملفات الكبري لذلك لابد للمؤسسات الإعلامية أن تصنع خلايا استقصائية وتخصص لها صحفيين يكون شغلهم الشاغل كشف الحقيقة والخروج من بوطقة الآنية .ولابد أن ينصهر الإعلام العمومي في هذا النوع من الصحافة لأن الغاية من كشف ملفات الفساد هو تكريس الديمقراطية وتغير الواقع المتردي ومنظمات الدولة التي تتآكل بسبب الفساد المنتشر . وتختم الصحفية مبروكة حديثها:” أن الصحافة الاستقصائية تتطلب الصبر والجهد وعدم الاستسلام والعمل أكثر لكشف الحقيقة واستغلال هذا الهامش من الحرية لفضح الفاسدين”

أما الصحفية الاستقصائية نجوي الهمامي فتري أن الصحافة الاستقصائية تمر باختبار صمود كبير وسط  الكم الهائل من مريدي تكميم الأفواه وعرقلة الكلمة الحرة فالي اليوم يقتل الصحفيين لكشفهم فسادا ولتعبيرهم عن رأيهم والي اليوم يسجن صحفيون لقولهم لا للفساد حيث أن الصحافة الاستقصائية تخطو خطوات بطيئة جدا طالما لايزال الخوف يسيطر علي كثير من الصحفيين من هذا النوع المحترف من الصحافة وما ينقص في تونس هو التكوين والتأطير ومجاراة التكنولوجيا في كشف الحقيقة وتضيف :انا كصحفية استقصائية اطمح أن أترك أثرا إيجابيا في هذا المجتمع ،أن اغيره نحو الأفضل ونحو ما يجب أن يكون ،اطمح أن اكشف كل متهاون متخاذل خائن للوطن دون تصنيفات ولا تهديدات ولا صنصرة وبي امل كبير يأتي ويذهب ولن أودعه في تغيير الوطن نحو الأفضل واسترداد الناس لحقوقهم وحفظ كرامتهم الإنسانية “

رغم كل العوائق التي تحدق بالصحافة الاستقصائية تضل من أهم الفئات المهنية في المشهد الإعلامي وأكثرها تحديا وان كان تطورها نسبيا في تونس فإنه مؤشر على اهمية الصحفي الميداني الطامح الي تغير الواقع وكشف الحقائق الغامضة.
فاتن الحويمدي

Comments (0)
Add Comment