الواقع التونسي زمن الكورونا: بين الطموحات و أزمة في عديد المجالات لم تكن أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد مجرد كابوس يجمد الأنشطة الاقتصادية في البلاد، فبقدر تأثيرها على تجميد السواعد، بقدر ما أحيت الفكر وحررته من جمود كرسه منطق التبعية الصناعية للغرب. كما لم يستطع فيروس كورونا اغتيال مواهب الشباب التونسي، بل نفض الغبار عن عدة كفاءات قادرة على الخلق وهي التي كانت مهمشة قبل الاحتياج إلى أفكارها واستغلال قدراتها الفكرية والصناعية في ظل احتكار رجال السياسة للعجلة الاقتصادية والاجتماعية. وبعثت حاجة تونس إلى الكثير من المعدات الطبية الخاصة بإجراءات الإنعاش ومعدات أخرى روح الخلق والابتكار لدى الكثير من جنود الفكر لاختراع آلة تنفس وأخرى للتعقيم الصحي وكذلك روبوتات استفادت منها المنظومة الأمنية في فرض الحجر الصحي العام. والاختراع كما هو معروف أساسه فكرة تنشأ بسبب موقف أو ظروف معينة تعترض الإنسان وتدفعه لاكتشاف شيئا جديدا يفيد البشرية. وفي تونس تم الشروع في تصنيع أجهزة تنفس صناعي من أقنعة الغوص لمواجهة فيروس كورونا و لإستعماله في الإسعافات الأولية، كما وضعت وزارة الداخلية ” روبوت “في الشوارع الرئيسية وسط العاصمة لفرض الحجر الصحّي العام المفروض وهذا الروبوت صمّمه مهندسون تونسيون.و في ولاية القيروان، تمكن شاب تونسي من اختراع آلتين، تتمثل الأولى في جهاز للتنفس الاصطناعي، والثانية في جهاز لتنقية الهواء وقتل الفيروسات خاصة في الفضاءات الطبية ومراكز الحجر الصحي. نجاحات تلاها نجاح عدد من أساتذة المعهد العالي للدراسات التكنولوجية بالمهدية في إتمام مشروع يتمثل في “جهاز تعقيم متطوّر”. وما انفك شباب تونس يبهر الوسط الوطني والدولي باختراعات مخصصة لمجابهة فيروس كورونا إلا أن تنمية ابتكاراته ورعايتها ماليا من طرف الدولة ظلت محدودة غير عابئة بأهميتها في زمن تستبد به الحروب التكنولوجية. في المقابل عرت جائحة كورونا أنانية الكثير من الرأسماليين الذين أشهروا سيوف التغول وحب الذات منذ أول شهر تطبق فيه قرارات تعليق العمل توقيا من عدوى قد تصيب الأجراء والعمال. مسألة تحيل بالضرورة إلى مسائل اجتماعية و إقتصادية و سياسية و رياضية هامة لا تنفصل عن الواقع الصناعي للدولة وهي تفريط تونس في مؤسساتها وخوصصتها تدريجيا . إجتماعيا، شبح الأنانية سكن جميع التونسيين فبتزايد عدد المصابين تزايد عدد المتهافتين على السلع في حاجة أو من دون حاجة،الكل أصبح يفكر بنفسه و لا شأن له بالأخرين…السب والشتم في كل مكان محلات البريد صارت مليئة بالذين خبؤوا بعض الأموال أو أولئك الذين ضحكت عليهم الدولة المقيتة و قدمت لهم منحة ظنا منهم كونها ستنقذهم من الجوع . علاوة عن ظاهرة الإحتكار و غلاء أسعار المنتوجات في ظرف وجيز و البيع خلسة و التي أفضت إلى الزيادة في تردي الوضع الاقتصادي للبلاد . فحسب المعهد العالي للقدرة التنافسية و الدراسات الكميّة الذي صدر تقريره يوم 23 ماي 2020 فإن أزمة كورونا ستفضي إلى تراجع الناتج الداخلي الخام التونسي بنسبة 46.9% خلال الثلاثي الثاني من العام الجاري. و وفق دراسة تقييمية بعنوان “تأثير كوفيد 19 على تونس، الإقتصاد ، منظومة الصناعات الغذائية و الأسر” أكدت أن القطاع الصناعي سيكون الأكثر تضررا ليتراجع الإنتاج بنسبة 52.7% متبوعا بقطاع الخدمات بنسبة 49% ثم الفلاحة ب16% . كل هذا لا ينفي غياب دور الدولة في الإحاطة بمواطينيها مثالا على ذلك غياب دور بعض الوزارات ففي قرار منح منحة المائتي دينار لم يوجد لدى وزارة الشؤون الإجتماعية أي إحصاء أو إطلاع على الحالات الإجتماعية للعائلات و هو ما ترتب عنه أخذ المنحة من قبل أشخاص لهم في رصيدهم البنكي ما يتجاوز عشرات الملايين . كذلك فبدل أن يظهر السياسيين في الإعلام و ينشروا الوعي بالخطر المحدق و تهدئة العامة بوجود البضاعة الكافية و التوقف عن التهافت على السلع الا أن الجميع لاحظ غيابهم و غياب مسؤوليتهم ما عدا ظهور الرئيس في خطابات غايتها حفظ ماء الوجه أو ظهور وزير الصحة للتصريح بالإجراءات المتخذة لمجابهة الوباء… كذلك النشاط الرياضي التونسي لم يكن أقل تضررا من الأنشطة الأخرى إذ تسببت جائحة كورونا في توقفه على جميع المستويات لأكثر من ثلاثة أشهر و غابت الجماهير و تأجلت أهم المواعيد الكروية التي من شأنها أن تعود بالأرباح على الأندية و على هياكل التنظيم أيضا…دون أن نغض النظر عن تعطيل إنتشار فيروس كورونا للعديد من الصفقات الهامة للأندية التونسية. هذا إلى جانب توقف تربصات الأندية و المنتخب الوطني و تأجيل أهم الأحداث الكروية بالقارة التي كانت من شأنها أن تفتح باب الإنتداب للاعبيين التونسيين بالخارج . تونس زمن الكورونا طموحات في مهب الريح ،وضع اجتماعي متردي ،أزمة إقتصادية ،مشهد سياسي باهت و نشاط رياضي متعطل…
علي عمايرة