بعيدا عن اللغة الخشبية المضروبة التي تتشدّق بالمرأة ومكاسبها وإنجازات دولة الحداثة لأجل تحرّرها وتمكينها من حقوقها تواصلت اليوم بعدد من النساء الريفيات في معتمدية عمدون فعدت إلى بيتي سعيدا مغتبطا بعد أن قضيت نصف يوم في مرتفعات عمدون الجبلية حيث عاينت على الميدان نجاحات بعض النساء هنّ أبعد ما يكون عن اهتمامات أهل الإعلام وأهل السياسة ..
التقينا في البداية بالسيدة جليلة المالكي ،منشطة مستشارة بديوان تنمية الغابات و المراعي بالشمال الغربي مركز التنشيط والاستشارة بعمدون ولاية باجة هي امرأة مكافحة مجاهدة نشيطة لا تهدأ أبدا ولا تعرف الراحة إليها سبيلا. هي امرأة ميدان أكثر من أن تكون موظفة بأحد المكاتب حيث تكبلها القوانين و الشكليات و البيروقراطية المقيتة .التقيناها فحدثتنا عن بعض مشاريع الديوان في تلك الربوع الريفية البعيدة .كنت أنصت إليها بانتباه وهي تتحدث بحماسة عن عملها و المشاريع التنموية الصغيرة التي استفادت منها بعض العائلات المعوزة غير أنّي كنت أقول بيني وبين نفسي هذه المرأة تبالغ والحقيقة غير ما تحكي .ولكنّ المفاجأة السارة أذهلتني و رفيقي .المفاجأة اكتشافنا لقصص نجاح نسوية في عمق الرّيف الباجي البعيد .البداية كانت مع السيدة ذهبية امرأة خمسينية استقبلتنا بابتسامة عريضة فاتحة أبواب بيتها المتواضع وحضنها داعية إيّانا إلى الدخول ولمّا سألناها عن المشروع أجابتنا بكل عفوية
و تلقائية دون أن تفارق الفرحة عينيها ..فحدثتنا عن البدايات وعن تصميمها وعن نجاحها.. كنّا في كوخ بدائي مغطّى بالأخشاب وأغصان الأشجار في قامت في وسطه أربع بقرات وثلاث عجلات وعجل ذكر.. ترقرقت الدموع في عينيّ محدّثتنا وهي تقول :”هذه كانت الغرفة التي تزوجت بها منذ سنوات مضت هي اليوم اسطبل لبقراتي ..سألتها وضحي يا سيدة ذهبية فقالت البداية كانت منذ حوالي ثلاث سنوات لمّا انتفعت بمشروع الديوان والمتمثل في “200 فلوس” وآلة محضنة و”قروب ضوء” وأسلاك.. ومنذ ذلك الوقت انطلقت في العمل ليلا نهارا دون كلل أنا وزوجي ..في البداية بعت بعض المنتوج واشتريت أول ثلاّجة لي ثمّ لمّا نما المشروع وصار لي حرفاء يأتونني من كلّ مكان أبيعهم البيض
و الدجاج بكلّ أنواعه اشتريت البقرة الاولى وضاعفت من جهدي أنا وزوجي والحمد لله أنا اليوم لي أربع بقرات وما زلت أربي الدجاج وأعتني به لأنّ هذا المشروع خلصني من الفقر و الحاجة ..
كانت السيدة ذهبية قبل إنجاز مشروعها عاملة فلاحية موسمية أما زوجها فعامل بحضائر البناء كان يتنقل بين باجة و العاصمة أمّا اليوم فلم يعودا بحاجة للعمل عند الغير ..كنت أتابع حديث ذهبية وأراقب ملامحها وهي تسرد قصة نجاحها فألمح الفرحة مرتسمة على محياها وألمح ذاك البريق في عينيها ..امرأة تشعر بالرضى يغمرها كيف لا وهي قد حققت مرادها بفضل مشروع تنموي صغير أنقذت أسرتها بل وصارت تشعّ على عائلتها فهي اليوم سند للعائلة الكبرى بعد أن فتحها الله في وجهها..