نساء متصوفات: للا عــــزيزة الصمادحية: الجمال والكمال
د. زهير بن يوسف
1. النسب والحسب:هي السيّدة عـزيزة بنت الشيخ أبي الحسن عـلي بن محمـد الصمادحــي أصيل قبيلة مصمودة بالمغرب الأقصى ،القطب الفرد (كما جاء في فرمان السلطان العثماني مراد الرابع لسنة 1034/1624) ” منبع المعارف ودوحة العوارف ،حضرة المطارف، الوليّ المكاشف والمنجد المساعف، كنز الأسرار ومعدن الأنوار والمزن المدرار، صاحب البركات وفيض العنايات، الشيخ المعتقد ” كما قال الوزير السرّاج في الحلل السندسية، الملقّب بالسيّد ومولى البلاد ومولى الحرمة وزين الملبوس وفصل الميعاد وأستاذ أبي الغيث القشّاش.2. كمال الذات وكمال الصفات:تميّزت شخصيتها إلى جانب عمق الانطواء على العالم الباطني وخوض رحلة الداخل بالديناميكية والانفتاح والفاعلية الاجتماعية واشتهر والدها خاصة بدوره الحمائي للسكان من ظلم حكّام تونس الأتراك .تكنّى بأم خمار وبنت الأخيار، وقد كانت على قدر كبير من الجمال ولاسيما من حيث طول شعرها واسترساله وجاذبية وجهها ووسامته وألق عينيها وجمالهما ورشاقة قوامها واعتداله.أشهر رموز التصوّف النسائي المحلّي ومضرب الأمثال في الصون والعفاف، اشتهرت بحسن الخلق وكمال الأوصاف لذلك لقبت بذات الكمال، كمال الذات وكمال الصفات.3. الجمال او كرامة الحياة:أثرت عنها كرامات منها إصابة أحد الباعة المتجولين من الجالية اليهودية انبهر بما رآه مصادفة من جمال وجهها الذي كانت تصرّ على حجبه عن الناس أجمعين، بهذا قضى السياق التاريخي والأعراف الاجتماعية والآداب العامة وتلك كانت قناعتها الذاتية، أصيب بصعقة أفـقــدته بصره ثمّ استعادته لعافيته بتمامها وكمالها حال صفحها عنه.وتقول الأسطورة إنّ والد للا عــزيزة ذاته أي الشيخ بابا علي هو الذي تولّى إبراء هذا المصعوق بعد أن علم بحسن نيته، مـرّر يديه على موضع الإصابة فعاد إليه بصره في الحين، ولذلك ستذهب ذريته مثلا في الشـفاء من اللطمــة أو مداواة الملطوم . ألا يقف بنا مدلول هذا الخبر المنقبي على تقليد صوفي متجذر في التسامح حتى إزاء ” الأغـــيــار”.4. النسوية المضمرة او كرامة الممات:كما أثرت عنها كرامات في حياتها ذكرت لها كرامات بعد مماتها من ذلك أنّ الشاعر الصوفي الحاج ميلاد الشريف (ت1259/1843-1844) لمّا وضع منظومته المدحية في رجال باجـــة اهتمّ بالصلحاء ونوّه بالعلماء ولكن فاته أنّ ” للنساء أحـوالا وزهــدا وخيـــرا وصلاحا كما في الرجـال” فاستثناهن بداية من الإشادة والتمجيد إلاّ أنّه سرعان ما استدرك أمره، عاد إلى قصيدته ساكن بغداد وأضاف إليها بيتين شعريين في مدح للا عــزيزة ينضحان اعتذارا وأدرجهما في مطلع مدحيته، جاء فيهما :يا أمّ خمار يا عـزيزة، بنت الأخيار ديما نناديقلبي محتار، غيثــي وليدك، ما عنـــــدو زاد ويقال، فيما أثر عن الجدود ، وهذه رواية الشيخ خميّس الحسناوي قيدوم الإنشاد الصوفي بمدينة باجـــــة، إنّ هذا الاستدراك قد تمّ على إثر وقوف وليّتنا على شيخ الطريقة ذاته في المنام وتذكيرها إياه في نبرة عتاب بأنّ ” لها في مقامات الرجال ازدحاما ” أي من المواصفات ما يجعلها قادرة على مساواتهم ومداناتهم في خصال القـدوة القيمية والسلوكية ومن ثمة الارتقاء إلى نفس المقامات التي يمكن أن يصلوا إليها إن لم تتفوق عليهم فيها ، ألم يقل العارف علي بن بلقاسم المزوغي في المرابطة أمّ يحيى مريم المنياوية:” أمّ يحيى خيـــــر من ألف لحية ” بمعنى أنّها امــرأة كألف رجل بل أفضل، وكذا كانت للا عزيزة .وقد كان ذلك أيضا سببا في إلحاق شخصية أخرى من شهيرات النساء المتصوفات المحليات بها ضمن من تمت الإشادة بهم من أخيار البلد ولم تكن تلك المرأة إلا السيدة خديجة النوائلية.5. النساء كما الرجال:قال فيها محمد المنزلي مادحا :ببــــاجة قوم خيّرون كـرام عليهم من المولى رضى و سلامأبوالحسن السامي علي الصمادحي له رفعة بين الورى واحترامكذا نجله الأزكى أبو القاسم الذي له في ذوي العز المكين مقـامومن نسله ذات الكمال عزيزة لها في مقامات الرجال ازدحــام ملحوظة : بنيت زاوية باب علي الصمادحي قبل 1031/1622 وموقعها بنهج أحمد الصمادحي، المكمدة، داخل باب المدينة ضمن المسلك السياحي لمدينة باجة.قامت هذه الزاوية تاريخيا بدور روحي واجتماعـي وسياسي بارز خاصة خلال القرن 18 ( تراجع تفاصيله في كتاب المشرع الملكي في سلطنة أولاد علي الـتـــركي للمؤرخ محمد الصغير بن يوسف ت 1772)تثوي للا عزيزة في جوار والدها بالزاوية الصمادحية الكبرى.