كورونا..والتغيير: تطبيق الإصلاحات..أوالتبعيّة؟

ذكرت في تدوينة سابقة ان تغيير احوال الشعوب خاصة عند العرب لم يتأخر بسبب الفيروسات و الامراض و لن يتحقق بمجرد زوال الاوبئة (لا قبل كورونا و لا بعدها). لم اقرأ في الكتب التي تحدثت عن التغيير وتعمقت في اسباب و شروط نهضة الامة ان التغيير مرتبط بالامراض و الأوبئة و الفيروسات.

المثال من الاتحاد الاوروبي يظهر الفرق بين دول جنوب وشمال الاتحاد في تطبيق الاصلاحات التي تسميها حكوماتنا ” الاصلاحات الكبرى”. خلاف قديم جعل بعض من زعماء اوروبا يتحدثون عن Z-Euro للجنوب و N-Euro في الشمال. الذي يتابع و يدرس التفاصيل و يتعمق في ثقافة بلدان الشمال الاوروبي سيلاحظ فوارق كثيرة مقارنة ببلدان الجنوب الاوروبي ( تقريبا في كل شئ). لم يخرج الناس الى الشارع في هولندا لان الضرائب ارتفعت من 19 الى21  % و لم تتوقف الحياة لان سن التقاعد وصل الى 68 بعد مفاوضات استمرت سنوات طويلة و سيصل الى 70 او اكثر بحسب معدل الاعمار. الاصلاحات الكبرى تأخد بعض الوقت داخل مؤسسات الدولة و المجتمع لكنها تطبق بجدية و لا اذكر ان البلاد شهدت اضرابات لاسابيع طويلة بسبب سن التقاعد (مثل ما حدث في فرنسا قبل اشهر).
الموضوع ليس مسألة تعاطف و اعانات و اغاثة لبلدان تضررت كثيرا من فيروس كورونا، بل موضوع خيارات لكل دولة و مدى جدية الحكومات في التطبيق الفعلي للاصلاحات…

 هولندا تبرعت بمليار اورو لمساعدة دول الجنوب الاوروبي (مساعدة غير مشروطة و ليست قرض) لكنها ترفض طلب ايطاليا و فرنسا و بلجيكا و اسبانيا في استعمال اموال ESM بدون شروط (شروط الاتحاد الاوروبي لتطبيق الاصلاحات و ليست شروط هولندية جديدة). بعد اجتماعات طويلة تم الاتفاق على استثناء المساعدات الطبية من اي شروط ولكن يتواصل غضب دول الجنوب خاصة إيطاليا.

الدول العربية وتونس تحديدا ليست استثناءا: اما اتباع اسلوب دول الجنوب الاوروبي (والبقاء في حالة تبعية مستمرة لفرنسا) وهذا  هو واقع الحال الذي لم يتغير منذ عقود طويلة، او تطبيق كل الاصلاحات اللازمة و اول شروطها امتلاك السيادة و القرار الوطني. التابع عبد ضعيف لا يملك قراره…. يعيش على الهبات والقروض وتحت شروط الاسياد.

دول الاتحاد الاوروبي تفرض شروطا على بعضها البعض وتذكرون الدروس من تجربة اليونان ولكم  ان تتخيلوا كيف يتعاملون مع الدول الافريقية، حتى اموال الاغاثة و الاعانات لافريقيا يرفضون دفعها نقدا بسبب فساد الطبقة الحاكمة !!

التغيير لن يحدث بمجرد اكتشاف دواء ضد كورونا…. والسيادة لا تمتلكها دول تابعة تحكمها نخبة ضعيفة لا تملك قرارها. نخبة همها في المناصب والكراسي والسلطة والنفوذ وليست مهتمة بتغيير احوال الشعوب ومقاومة الفقر والفساد. أتت بهم الثورة وانتخبهم الناس لإحداث التغيير الحقيقي… فأصبحوا يحدثون الناس عن صعوبة وربما  استحالة التغيير !! مرة بسبب اكراهات الحكم، ومرة  لقلة الموارد و مرة بسبب المتغيرات الدولية.

لذلك التغيير في تونس غير مرتبط بكورونا ولن يتحقق بقرار او بإذن من باريس ولن يتحقق بالتبعية وتبرير  الضعف و الفشل و التغطية على الفساد او الصراع على السلطة و البحث المستمر على مزيد من الصلاحيات و إثبات من هو الأقوى

التغيير لن يتحقق… بمجرد الحديث عن التغيير وعن اسباب نهضة الامة لأن الامة لن تنهض بمن يعتبر نفسه “أمة” قائمة بذاتها.

محيي الدّين المسوسي

Comments (0)
Add Comment