جامع الباي بباجة: مؤسّسة وقفيةّ روحيّة وتعليميّة

جامع الباي بباجة: مؤسّسة وقفيةّ روحيّة وتعليميّة

 بقلم د. زهير بن يوسف

لا يُعرف تاريخ مضبوط لبناء هذا الجامع ولكن بإمكاننا اعتمادا على الفترة الزمنية التي قضاها مؤسسه في الحكم، وهي تمتـد من 9 شوال 1076 / 14 أفريل 1666 إلى 16 جمادى الأولى 1086/ 8 أوت1675، وبالرجوع إلى رسم الحبُس الخاص بهذه المنشأة الدينية وهو مؤرخ بأواسط شعبان 1085/12 نوفمبر1674،  وهو تاريخ لاحق على الفراغ من بناء الجامع، بإمكاننا أن نُرجع تاريخ الإنشاء إلى أواسط ستينات القرن XI XVII/ أو أواسط سبعيناته على أقصى تقدير[1]، فهو على هذا من أوّل المؤسسات الدينية الحنفية التي أنشأها الأتراك خارج العاصمة [2]، وربّما كان ثانيها على التحديد. ولعل موقع هذه المنشأة الزمني ضمن شبكة المؤسسات الروحية والعلمية التي حرص الأتراك، ولاسيما خلال العهد المرادي، على تأسيسها تعكس بالإضافة إلى الأهمية الإستراتيجية لمدينة باجة عسكريا وسياسيا بالنسبة إلى استقرار السلطة في المركز، أهمية الجالية التركية التي كانت قد استقرت بالبلد وتزايد حاجياتها الروحية والثقافية بتزايد أهميتها واتساع عددها، زد على ذلك الدور المفترض الذي كان لإنشاء الجوامع والمدارس أو ترميمها في استقطاب السكان وكسب ولائهم الأمر الذي يبرر من بعض الوجوه، علاوة على الظروف الاقتصادية السانحة، استراتيجيا البناء والتعمير الديني والمدني التي انخرط فيها الحكام الجدد للبلاد.

نعلم أنّ المساجد التي ابتناها البايات قد تمّ اختصاصها بالإطار الديني والعلمي اللازم كما حظي جميعها بأوقاف كانت كافية لصيانة المباني وتعهدها ودفع مرتبات المشايخ وسدنة الجامع بالإضافة إلى منح الطلبة. ولم يكن جامع الباي ليشذ ّعن هذه الإجراءات، و بالفعل فإنّ وثيقة حُبسيته[3]تمكنّنا من التعرف بدقة على تنظيم شؤون الدين وأمور التعليم به زمن تأسيسه، إذ نعرف أنّه كان على غرار بقية المساجد الملكيّة يتمتع بوقف يغطي “ما يحتاج إليه”[4]من خدمات و قد تمّ ضبطها سنة 1085/1674 بما قدره 16.930 ناصري سنويا ” على الدوام والاستمرار”[5].

وقد جاء في نصّ التحبيس أنّ ” ما يتحصّل من استغلال الرّبع والعقار” المُحبّس والموقوف على هذا ” المسجد الجامع” “يعطى” لــــ:

· إمامين: الإمام القائم بالصلوات الخمس والإمام الخطيب.

· مدرّسين اثنين: أولهما يلقّب بالشيخ المدرّس ويعنى بتدريس الفقه الحنفي والثاني لتدريس السيرة النبوية، وقد نصّ رسم التحبيس على أنّ كتاب السيرة المقرّر هو ” تنبيه الأنام ” لعبد الجليل بن محمد عظّوم.

·  الوكيل الناظر على الجامع وأوقافه[6]

· تسعة 9 مؤذّنين: من الصنفين أحناف ومالكية بالتساوي في العدد والراتب[7]، يترأسهم موظف يُدعى باش مؤذّن الحنفيّة.

· ” وقّادين اثنين قائمين بأحوال الجامع من حلّ وغلق وفرش وحصر وكنس وإيقاد المصابيح وغير ذلك من مصالحه”.

هذا عن عهد البايات المُراديين، أمّا مصادر القرن XVIII فتأتي لتعزّز لنا هذه المعطيات وتسلط من ثمّة بعض الأضواء على تنظيم الشؤون الدينية والعلمية في رحاب هذه المؤسسة منها:

· تولية إمامين أوّلَ وثانٍ بأمرِ عليّ.

· انتداب مُدرّسين قارّين لإقراء الفقه الحنفي أحصى منهم حسين خوجة ما لا يقل عن عشرة 10 كلهم يتقاضى مُرتّبا[8].

ترتيب اثني عشر 12مقرئا “يقرؤون حزبين اثنين من القرآن في كل يوم”[9].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

[1] – أخطأ بوننفان Bonnenfant في تنصيصه على أنّ الأتراك بنوا جامعهم الحنفي بباجة في نهاية القرن XVIII .

Bonnenfant (P), Béja de la conquête musulmane à 1881.Tunis, Ibla, 1968, p. 22.

[2]  – أول هذه الجوامع ذكرا عند حسين خوجة هو المسجد الحنفي بقابس يليه المسجد الحنفي بباجة، ولسنا نعلم هل أن في النص ترتيبا زمنيا أو أن في الأمر اعتباطا. حسين خوجة: ذيل البشائر، ص 98. والترتيب نفسه نجده في كل المصادر سابقها ولاحقها. والجامع الحنفي بالقيروان هو الثالث في الذكر.

– أ.و.ت، دفتر أحباس المراديين، السعداوي: تونس في القرن السابع عشر: وثائق الأوقاف، 367-373. حُبُس جامع باجة.[3]

[4] – ابن أبي دينار، المؤنس، ص 272.

– أحمد السعداوي، تونس في القرن السابع عشر: وثائق الأوقاف، ص 370 ، حُبس جامع باجة.[5]

[6]- أقدم اسم وصلنا في هذه الخطة هو” الفقيه أبو الحسن علي بن الفقيه أبي عبد الله محمد شهر المفتي ( كان حيا  أواخر ربيع الأول 1103/19ديسمبر 1691)، انظر رسم وقفية المدرسة الحنفية بباجة، ويذكر لنا أرشيف العدول اسم وكيل آخر “لجامع السادات الحنفية بباجة” هو صالح بن حسين بن يوسف الحنفي (كان حيا1273/1855).

[7]- تبيّن بعض الوقفيات الأخرى كوقفية جامع حمودة باشا ووقفية جامع محمد باي بتونس أنّ راتب المؤذن الحنفي هو ضعف راتب المؤذن المالكي، انظر: أحمد السعداوي، تونس في القرن السابع عشر، وثائق الأوقاف، ص30.

حسين خوجة، ذيل البشائر، ص 144  – [8]

[9]- حسين خوجة، ذيل البشائر، ص 144- 146.

Comments (0)
Add Comment