باجة مدينة باذخة

باجة مدينة باذخة
د. زهير بن يوسف
بعد فترة من الاستقرار والأمن عاشتهما المدينة وإقليمها خلال العهد الزيري( 972- 1049م) تحدث واحدة من أعظم الكوارث السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عرفتها البلاد: سقوطها تحت سيطرة البدو الصعيديين بني هلال وبني سليم، فقد احتلت عشائر مرداس بن رياح سهل باجة الثري عام 500هـ/ 1160 م وسقطت باجة بأيدي بني الأخضر.
وقد رافقت هذا الاحتلال مجزرة رهيبة ألحقها الغزاة بالسكان المدنيين، ولن يقف تيار الفوضى وعدم الاستقرار وانعدام الأمن إلا بانتصاب دولة بني نيزال الريغيين حتى مقدم الموحدين عام 1152م.
ومما يلفت الانتباه في هذا الطور وصف البكري للمدينة حيث يقول:
” وحولها(= باجة) بساتين عظيمة، تطّرد( = تكثر) فيها المياه، وأرضها سوداء مشققة تجود فيها جميع الزروع، وبها حمص وفول قلما يوجد مثله، وتسمى باجة هُري إفريقية: لريع زرعها وكثرة أنواعه فيها ورخصه بها”،
وهو ما يبعث على الاعتقاد بأن مستجدات الأحداث السياسية لم تؤثر على أنشطة السكان الإقتصادية العادية إلا نسبيا.
أما في العهد الحفصي (1232- 1574) فإن المدينة ستظل على حظوتها، وهذه شهادة الحسن الوزان الذي زارها قبيل عام 1515:
” وجدران هذه المدينة وأسوارها باقية على وجه الدهر، وأهل باجة متحضرون متمدنون ولهم آداب وأخلاق ونظام يسوسهم، وهم مرتبون في كافة أعمالهم وسيرة سلطانهم، وقد امتلأت مدينتهم بصنوف الصناعات حتى الحياكة هذا فضلا عن الجمّ الغفير الذين يتعاطون الفلاحة”،
أضف إلى ذلك تميزها بدور ثقافي بارز إذ لن تنقطع عن إنجاب المفكرين واستقطاب المثقفين كما أنها ستكون مركز تزويد للعاصمة وللمشرق بنخبة من العلماء الألمعيين مثل علي الباجي الإفريقي( ت1314م) وعُمر القلشاني( ت 1443) وأحمد القلشاني( ت 1459) وعلي القلصادي( ت 1486)، وهو الدور الذي ستضطلع به على امتداد العهدين المرادي والحسيني إذ ستعطي المدينة للبلاد اللغوي محمد التواتي( ت1621) والمؤرخ محمد الصغير بن يوسف( ت 1772)، صاحب ” المشرع الملكي” و” التكميل المشفي للغليل” والأديبين الشاعرين العياضي الباجي( ت 1756؟) ومحمد الشافعي بن القاضي( ت1764) وعالم المنطق مسعود المغراوي( ت 1756؟) وآخرين.

Comments (0)
Add Comment