الانقلاب و الاغتيال..
لا نلوم البعض حين يبالغون في التمجيد المطلق للرئيس الراحل الحبيب بورقيبة لان مفهومهم للدولة لم يطرق ابواب الحرية والكرامة والتعذيب والسجون والتداول على السلطة ودولة المؤسسات وسلطة المراقبة واستقلال القضاء والتعددية والاغتيال السياسي والتعذيب الممنهج وانتهاك الحرمة الجسدية بشتى الوسائل، كل الذين يتحدثون اليوم بإعجاب غير مشروط عن بورقيبة اما كانوا في ركب الدولة الشمولية وغمّروا من فائض خيراتها المؤممة لصالح فئة معينة ، واما كانوا في بحبوحة مالية وليس لهم في السياسية والنضال ومساجلة الدكتاتوريات ، مبلغ علمهم فضاءات الترفيه والمطاعم والمزود ودور السينما وشيء من الكرة والسفر وربما جمع طوابع البريدية . أو هي فئة من ذلك الجيل الذي لم يعاصر بورقيبة ونقل اليه الاعلام بعض صفحات التاريخ الملون الزاهي وحجب عنه بقية الصفحات ، وزين وجهز له المنستير و القنطاوي وشارع الزعيم وغطى القصرين بخرقة بالية وكدس فوق أرياف جندوبة اكوام القش، حتى لا يتساءل هذا الجيل عما إذا كانت دولة حديثة وحداثية مرت من هنا!
*المراهقات في حجر الزعيم
الكثير من هؤلاء لا يهمهم إن كان بورقيبة تعامل مع البنات اليافعات المراهقات بشكل مخجل وانه كان يحلو له التمتع بملامسة ومداعبة الصبايا اللواتي تعودت ابنة اخته سعيدة ساسي على جلبهن إلى اقاماته الفارهة، تلك هي المرأة في عهد بورقيبة، معززة مكرمة في الخطابات وسلعة دسمة على موائد الزعيم في القصور، لقد كان بورقيبة يسعى لتخليص المرأة من الكثير من التقاليد ثم تمادى فعمل على “تخليصها” من دينها ، وبعد ان استقام له الأمر عاد واستعبدها وفق المفهوم الغربي الذي نهل منه ، فحررها من “قيود” الزوج والاب والاخ ، وجلبها سلعة خالصة له للتسلية الوقحة دون التمادي الى ما بعد ذلك ليس لنوبة ورع داهمته ولكن لعجزه عن الابشع كما أكد العديد من وزرائه.
*بورقيبة ينقلب على زعيمه
لم يهتم مهندسو الصورة البورقيبية بانقلاب زعيمهم على زعيمه ، فبورقيبة تآمر على مؤسس الحزب الدستوري الأول أو القديم “عبد العزيز الثعالبي” الذي سافر للتعريف بالقضية التونسية وربط علاقات لصالح الوطن المسلوب ، ولما غاب الزعيم لأغراض وطنية انقلب عليه بورقيبة لأغراض شخصية، ودفع الثعالبي ثم ثقته في الغلام وانهى حياته تحت الحصار ، ساعتها لم يكن بورقيبة يملك مفاتيح الدولة حتى يحرك أجهزة مخابراته لتصفية الثعالبي، لكنها تحركت بدل ذلك الميليشيا الحزبية في عملية إجرامية قذرة ، كان ذلك حين تعرض الثعالبي خلال زيارته لمدينة ماطر الى عملية اغتيال أفلت منها بأعجوبة .
قبل قرار اغتياله خطط أنصار بورقيبة جيدا لإهانة الثعالبي وتهشيم هيبته التي اكتسبها داخل المجتمع التونسي ، فكان ان جهزوا له مجموعة من شباب الحزب الحر وحركوا نعرة الجهوة وخلال زيارته الى الساحل،اعترضوه بالهتافات المعادية ووصفوه بالخائن وعميل الاستعمار والدكتاتور .. نفس الأوصاف التي استعملها بورقيبة مع خصومه السياسيين لاحقا حتى تاريخ ازاحته من الحكم ثم ورثها بن علي الى ان اقتلعته الثورة .
* التصفية والاغتيالات
منذ غاب بن علي وأفسحت لها الثورة في الحديث، ترفض مراكز القوى المبهورة بشخصية بورقيبة النقاش الهادئ والتقييم العلمي لتاريخ الراحل وتأبى فتح صفحة الاغتيالات الفردية والجماعية التي نفذها طوال مرحلة حكمه ، ترفض المجموعة البورقيبية أو التي تنكرت لبورقيبة في عهد بن علي وتصالحت معه بعد الثورة ، ترفض فتح الملفات بروية ودون إقحام الإعلام الموجه والاستنجاد بمراكز القوى لإحداث ضوضاء تعتم على القراءة المتأنية لممارسات الرجل الذي انقلب على زعيمه وقتل صديقه وطلق زوجته وطلق عشيقته من زوجها ثم تزوجها ،ليعود ويطلقها.
القفصي، الأدب، المحرزي، الحشاني، الرحموني، الشرايطي، الحنيني، بن سعيد، البنبلي، العكرمي ..هؤلاء وغيرهم استعمل معهم المجاهد الأكبر القضاء لتصفيتهم في واحدة من أسوأ الجرائم السياسية وأحد مذابح القضاء المخجلة ،أما من غادر البلاد وترك له الزعامة والجاه والسلطة ، فقد تم القضاء عليه في المانيا ، قتل الزعيم صالح بن يوسف في فرنكفورت غيلة ليس لانه ينافس بورقيبة على السلطة والجاه ولكن لأن صورته وتاريخه وسبقه ، كلها عناصر اجزعت بورقيبة فقرر ان يدفن التاريخ ، واصر على ان يغرب هذا الزعيم المنغص ليس عن تونس فحسب وانما عن الكرة الأرضية ، كان بورقيبة يحقد على الأسماء التونسية التي تتراقص فوق اسمه ، خطيئة كبرى ان يطفو اسما يحمل الجنسية التونسية فوق اسم الحبيب بورقيبة ولو كان خلف البحار والمحيطات.
*بورقيبة والإسلام
هذا إذا استبعدنا الحديث عن علاقة بورقيبة بالدين الذي هو آخر اهتمامات عباد الصنم ، والا فأقول الرجل في القرآن والسنة وتهكمه عن بعض السور على غرار سورة الكهف ، وحديثه عن بداوة محمد والأساطير التي يستمع لها الرسول الكريم وتأثر بها ، وغير ذلك من الأحاديث والمواقف الموثقة التي أدلى بها العديد من وزرائه، كلها تؤكد العلاقة المتدهورة بين بورقيبة والمقدس.
*تمجيد مواطن وإهانة الوطن
كانت ومازالت العديد من النخب والشخصيات بشكل متعمد او غير متعمد تقوم بجريمة وطنية تاريخية بشعة في حق بلادنا ، فقد صقلت القرون والحضارات المتتابعة ملكات التونسي وهيأته المدنية التي تدفقت إلى تونس في وقت مبكر للعب أدوار حضارية متقدمة ، ولما كانت تونس قد خصبت ملكات مجتمعها عبر القرون المتتابعة ، فقد أصبح من السفاهة اختزال الابداع والتقدم في شخص الزعيم الملهم .
على عباد الصنم أن يكفوا عن غيهم وان يرجعوا عن التمادي في جريمة تقديم تونس على أنها بادية جدباء وقبائل تتقاذفها الصحراء ، مبلغ علمها واسمى اهتماماتها تحسس السهول الخصبة لحشو بطون الإبل والماعز والغنم بالكلأ ، حتى إذا ولد الزعيم هلت البشائر.. ولما اشتد عوده دحر العدو الفرنسي.. حتى اذا بلغ اشده وصنع الاستقلال من عدم، جلب التونسيين من عمق الصحراء وأنزلهم من صياصي الجبال ثم علمهم النطق، فالحروف والكلمات، فالجُمل والنصوص، وتدرج بهم الى ان صنع منهم الدولة التي بين ايدينا.
ندرك أن وباء الأصنام استفحل فيكم، نخركم، هتك عقولكم، ندرك ايضا ان الخواء الروحي الذي يعصف بكم، يدفعكم الى الوهم الصنمي، لذلك لا نطلب منكم ان تتوقفوا عن ادمانكم، فقط نطلب منكم مراعاة مشاعر الشعب التونسي “إذا عصيتم فاستتروا” .
نصرالدين السويلمي