هل حان زمن زوال دولة الفساد في العالم العربي؟

هل حان زمن زوال دولة الفساد في العالم العربي؟
الصحبي الماجري أستاذ فلسفة بالمدرسة التونسية بالدوحة

عن الجزيرة نت

تشهد العديد من الدول العربية مظاهرات شعبية عارمة وتغييرات كبرى في البني السياسية التقليدية للمجتمع العربي التي أدت لهيمنة دولة الفساد على الأمة العربية طيلة عقود طويلة امتدت منذ استقلال هذه الدول إلى اليوم. لقد أدت دولة الاستقلال مع مرور الزمن ومع سيطرة نظام الحزب الواحد والزعيم الأوحد إلى نشوء طبقة سياسية وفكرية ونخب ثقافية فاسدة سيطرت على كل مفاصل الدولة والمجتمع وكل المؤسسات الإعلامية والثقافية وكرست ثقافة تمجيد الفساد حتى تحول الفاسدين لرموز للنجاح الاجتماعي وأصبحت كل مظاهر الفساد من نهب للمال العام والرشوة والمحسوبية مظاهر عادية يمارسها الكل ضد الكل، بل وصل الأمر لحد توريث الفساد عبر توريث السلطة وأصبح المجتمع خارج دورة الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية وهمش أبناء الشعب وأدخلوا دورة النسيان.

ولكن اليوم ومع الحركة الاحتجاجية التي تشهدها العديد من الدول العربية بأشكال مختلفة يبدو أن نور الأمل قد عاد للضياء من جديد مبشرا بنهاية زمن دولة الفساد وانطلاق حركة التحرر التاريخي الواعي من هيمنة الفاسدين على الفضاء العام ورد الاعتبار لقيم الدولة العادلة والقوية والراعية لكل مواطنيها. إن ما حدث في تونس عبر صندوق الاقتراع خاصة في الانتخابات الرئاسية هو ثورة كاملة عبر الصناديق ضد دولة الفساد ورموزها التي كنست كنسا عبر مكنسة الصندوق. لقد ألهمت هذه الثورة الناعمة بقية شعوب المنطقة للتحرك ضد الفاسدين وبينت أنه حان الوقت لتحرير قدرات الأمة.

تبدو قيامة الشعب اللبناني اليوم بعيدا عن الطائفية وعلى أنقاضها إعادة لروح الدولة اللبنانية التي هي في الأصل دولة مواطنين وليست دولة طوائف ولكن بارونات الحرب الأهلية استغلوا الانتماء الطائفي لتكريس هيمنتهم

هذا التحرر إن لم تتحرك لفرضه الشعوب لن يقوم به أحد خاصة مع تحالف النخب الثقافية والإعلامية مع الفاسدين ودفاعهم المستميت عن دولة الفساد التي تحولت إلى دولة راعية لهذه النخب الفاسدة التي تخلت عن دورها في بناء العقل وأصبح كل همها جمع الثروات على حساب كرامة الشعوب وأصبحت تتاجر في كل شيء حتى في الدين الذي أصبح تجارة رابحة تدر على هؤلاء ملايين الدولارات. لقد أثرت النخب على حساب كرامة الشعوب وأصبحت أداة تبرير لكل مظاهر الفساد بل أصبحت شريكا فاعلا فيها. حتى وصل بها الأمر لتبرير الحط من الكرامة الإنسانية والمس من الحقوق الأساسية للإنسان وتبرير كل أشكال التعذيب والاعتداء والاخفاء القسري التي تقوم بها دولة الفساد والاستبداد في حق شعوبها.

لقد أقامت تلك النخب الفاسدة الندوات والمؤتمرات وعشرات البرامج التلفزية والإذاعية وآلاف الأشرطة للدفاع عن الاستبداد وتزويقه في الداخل والخارج وتصوير كل معارضيه كإرهابيين وكافرين وملحدين. لقد أصبح هؤلاء شركاء في نهب المال العام والدعاية للرشوة والمحسوبية وغيرها من مظاهر الدولة الفاسدة في المجتمع العربي والإسلامي. إن ثورة الشعوب ضد الفساد وما جوبهت به من قمع مفرط خاصة في العراق تأكد التحالف القائم بين دعاة الطائفية والفاسدين خدمة لمصالح مشتركة في نهب المال العام. فهذا التحالف تمثل دولة المواطنة خطر يهدد كيانه ومصالحه ولذلك فهو مستعد لتدمير الكل حفاظا على تلك المصالح ولو تطلب الأمر التدمير الكلي للدولة العراقية. ونفس الأمر تعيشه لبنان في ظل نظام طائفي نخر كيان الدولة اللبنانية ودمرها من الداخل فأصبحت مجرد هيكل خاو لا روح فيه.

ولذلك تبدو قيامة الشعب اللبناني اليوم بعيدا عن الطائفية وعلى أنقاضها إعادة لروح الدولة اللبنانية التي هي في الأصل دولة مواطنين وليست دولة طوائف ولكن بارونات الحرب الأهلية استغلوا الانتماء الطائفي لتكريس هيمنتهم المطلقة على الحياة السياسية والاجتماعية في لبنان بل أصبحت لبنان ملكية خاصة يورثونها لأبنائهم بمنطق يذكر بالنظام الاقطاعي في العصر الوسيط في عملية تقهقر تاريخي حان الوقت لإيقافه. لقد بدأ مسار الشعوب العربية نحو التحرر من دولة الفساد ولن يكون الأمر يسيرا وسهلا خاصة مع هيمنة تلك الدولة على كل أسباب القوة القمعية وتحالفها مع كل اللوبيات والمافيات والإرهاب وستستعمل كل تلك الوسائل لمحاولة ضرب صمود الشعوب وإصرارها على التغيير.

ولعل الدعم الخارجي لدولة الفساد هو أداة ضغط أخرى على الشعوب لأن التحرر من دولة الفساد وتكريس الدولة الوطنية وعودة السيادة للشعب تهدد مصالح العديد من القوى الاستعمارية الكبرى التي ترفع شعار الحرية والكرامة وحقوق الإنسان ولكن حينما يتعلق الأمر بمصالحها تدوس على تلك المبادئ. إن التحرر ليس أمرا يسيرا بل تحفه الدماء الزكية. واليوم يبدو أن الشعوب العربية قررت أن تسلك ذلك الطريق ومهما كانت التضحيات. أليس الصبح بقريب…

Comments (0)
Add Comment