حين يختلف القلب والعائلة: قراءة دينية واجتماعية في رفض الأهل لاختيارات أبنائهم في الزواج
.
-
حين يختلف القلب والعائلة: قراءة دينية واجتماعية في رفض الأهل لاختيارات أبنائهم في الزواج
مقدمة
يمثل اختيار شريك الحياة واحداً من أكثر القرارات حساسية في حياة الإنسان، ومع ذلك كثيرًا ما يتحوّل إلى ساحة صراع بين الشباب الباحثين عن التفاهم والانسجام، وبين الأهل الذين يخشون على مستقبل أبنائهم ويطمحون لاختيار “الأفضل” لهم.
وبين هذا وذاك، تضيع أحياناً سعادة أبناء، وتتوتر العلاقة الأسرية، وتكثر الأسئلة:
هل يحق للأهل منع زواج أبنائهم؟ وهل يملك الأبناء الحرية الكاملة؟ وما هو موقف الشرع من ذلك؟
أولاً: الشرع… ميزان العدالة بين الطرفين
1. مبدأ الرضا أساس الزواج
يؤكد الإسلام أن الرضا شرط لصحة الزواج، فلا يصح إكراه الرجل ولا المرأة، بل لا يجوز عقد الزواج دون موافقة صريحة.
قال النبي ﷺ:“لا تُنكح الأيم حتى تُستأمر، ولا تُنكح البكر حتى تُستأذن”
هذا النص يضع خطًا واضحًا: لا زواج بلا إرادة.
2. دور الأهل… توجيه لا إجبار
الشرع منح الأهل حق النصح والحماية، لكنه لم يمنحهم حق السيطرة.
فوظيفة الوالدين أن يرشدا، ويحذرا من الخطر، ويقدما الخبرة… لكن دون فرض أو تهديد أو تقليل من شأن رغبة الابن أو الابنة.3. الرفض غير المبرر… موقف مرفوض شرعًا
إذا كان سبب رفض الأهل:
-
اختلاف جنسية
-
أو مستوى اجتماعي
-
أو أعراف قديمة
-
أو نظرة مادية بحتة
فهذا ليس مبررًا شرعيًا لمنع زواجٍ فيه دين وخلق وقدرة ومسؤولية.
4. عند التعنت… ماذا يفعل الأبناء؟
يرشد الشرع إلى:
-
الحوار الهادئ
-
الاستعانة بالحكماء
-
وأخذ رأي أهل العلم
لكن يبقى الأصل: لا يجوز للأهل منع الحلال ولا تعطيل مصلحة الأبناء.
ثانياً: قراءة اجتماعية… لماذا يرفض الأهل؟
1. الخوف على المستقبل
في مجتمع سريع التغيير، يخشى الأهل من فشل الزواج، فيبالغون أحيانًا في الحذر، ويفرضون اختيارًا يرونه “أضمن”.
2. فجوة الأجيال
جيل الآباء يركز على الاستقرار الاقتصادي والسمعة، بينما يركز الأبناء على التفاهم والانسجام العاطفي.
3. ضغط العادات والتقاليد
في بعض الثقافات، ينظر الأهل للزواج كـ”صفقة اجتماعية” مرتبطة بالنسب والقبيلة والعائلة، أكثر من كونه علاقة خاصة بين شخصين.
4. التعلّق والحماية المفرطة
بعض الآباء يخشون أن يُسلب منهم دورهم أو حضورهم حين يتزوج الابن أو الابنة، فيزداد تدخلهم دون وعي.
ثالثاً: آثار إجبار الأبناء على الزواج
الزواج الذي يبدأ بالإكراه… غالبًا لا ينتهي بالرضا.
1. زواج بلا روح
يفقد أحد الطرفين الرغبة الحقيقية، فتضعف المودة، ويصبح الزواج شكلاً بلا مضمون.
2. الانفصال العاطفي عن الأهل
حين يشعر الابن أو الابنة أن حياتهم تُساق رغماً عنهم، تتولد فجوة يصعب إصلاحها.
3. آثار نفسية ممتدة
الإجبار يولّد ضغطًا، وحزنًا، وشعورًا دائمًا بأن القرار لم يكن نابعًا من الذات.
خاتمة
-
الزواج رحلة عمر تحتاج إلى قلب راضٍ وعقل مطمئن، ولذلك جمع الشرع بين النصيحة والرحمة، وبين حق الأهل وحق الأبناء.
ليس المطلوب أن ينتصر طرف على آخر، بل أن نصل إلى قرار يبني أسرة تقوم على السكينة التي أرادها الله:
“وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا”
فالزواج حين يجتمع فيه رضا القلب، وبرّ الوالدين، وحكمة القرار… يكون بداية لحياة يباركها الله
