تونس ــ الرأي الجديد / كتب صالح عطيةترتيبات دولية للوضع في تونس. علمت “الرأي الجديد” من مصادر دبلوماسية متطابقة، أنّ اتصالات مكثفة جرت خلال نهاية الأسبوع الجاري، بين رئيس الجمهورية، قيس سعيّد، وعدد من قيادات الدول الأوروبية والغربية، تمحورت حول كيفية الخروج من الأزمة السياسية والدستورية الراهنة في تونس.ويبدو أنّ من بين أهم هذه الاتصالات والتفاهمات مع رئيس الدولة، القادمة من الولايات المتحدة، وفرنسا، بتنسيق تركي وجزائري، وبأدوار أخرى، اضطلعت بها بريطانيا وألمانيا تحديدا.ووفق المعلومات المسربة عن هذه المشاورات والترتيبات الخفية، فإنّ عملية التسوية القادمة تقوم على عدّة نقاط أساسية هي:تفاصيل الترتيبات** ضرورة اختيار رئيس حكومة يكون متخصصا في الشأن الاقتصادي، باعتبار أن المرحلة المقبلة، هي مرحلة الوضع الاقتصادي، والمفاوضات المالية مع صندوق النقد الدولي، وإيجاد مخارج واقعية لاقتصاد تونسي متهاو، ومديونية كبيرة، وموازنة متدهورة.وتجري الآن، عملية البحث عن هذا الاسم الذي سيضطلع بمهمة رئاسة الحكومة، وسط صعوبات عديدة، أهمها، هل أنّ رئيس الحكومة، سيكون مسئولا أمام البرلمان، أم أمام رئيس الجمهورية؟ ومن سيقبل أن يكون رئيس حكومة، “في قالب وزيرا أول” ؟** استئناف البرلمان لنشاطه قبيل يوم 28 أوت الجاري، أي قبل نهاية مدّة الثلاثين يوما التي ينص عليها الفصل 80 من الدستور، وهي الآلية التي أريد من خلالها، الحفاظ على مكانة رئيس الجمهورية، حتى لا يفقد مصداقيته إزاء خصومه، سواء في حركة النهضة أو غيرها..وهذا يعني ضمنيا، وفق مصادرنا، ألا يتم القصاص من النواب ورجال الأعمال في هذه المرحلة، حتى لا تكون المرحلة المقبلة، عنوانا للانتقام، وتصفية الحسابات الحزبية أو السياسية أو الشخصية، وهو الشرط الذي يبدو أن الجهات الغربية، أملته، بعد الإيقافات الأخيرة، التي أعطت الانطباع، بأنّ حركة شبه انتقامية، بدأت تسود في محيط المتبنّين لقرارات رئيس الجمهورية.** أن تكون المهمة الرئيسية للبرلمان، التصويت على الحكومة التي سيعينها قيس سعيّد، والتصويت على قوانين يمررها رئيس الجمهورية، دون مناقشتها بالشكل القديم الذي كان عليه البرلمان، قبل 25 جويلية.وهذا يعني أنّ من شروط عودة البرلمان، عدم استئناف “الأدوار القديمة” لبعض الأطراف السياسية والحزبية، حتى لا تهتز صورة رئيس الجمهورية، الذي انتقد البرلمان، وبرر قراره بتجميده.** إنجاز المحكمة الدستورية.. وهي المؤسسة التي شكلت محور اتفاق الأميركان والألمان، في تفاهماتهم مع الرئيس قيس سعيّد، على الرغم من تحفظات هذا الأخير عليها، ولم تكن باريس مطمئنّة لهذه النقطة، التي تراها إضعافا للرئيس قيس سعيّد، الذي لن يكون له المجال لتأويل الدستور، مثلما حصل سابقا..** احترام الحريات العامة والفردية، وصونها والحرص عليها، باعتبارها عنوان الثورة التونسية، والربيع العربي، ومن شروط الديمقراطية، وفق مصادرنا، التي تكتمت على هويتها..** تشكيل حكومة يتم عرضها على مجلس نواب الشعب للمصادقة.. وهذا يعني، أنّ هذه الحكومة لن ترى النور إلا بعد شهر أوت الجاري.. ولا يعرف إلى حدّ الآن، ما إذا كان البرلمان، سيستأنف وظيفته التشريعية كاملة، أم لمجرد التصويت على القوانين والمبادرات التشريعية التي ستحال عليه؟؟ويطرح التونسيون اليوم سؤالا مهما، حول ما إذا كانت عودة البرلمان، سترافقها تلك المشاهد المقرفة، والنقاشات البيزنطية، والسباب والشتائم والاتهامات المتبادلة فيما بين نواب المجلس، والصراعات السياسية، التي تخفي حسابات إيديولوجية، وأجندات إقليمية ودولية من جميع الأطياف دون استثناء، أم سيتم تحجيم مهام المجلس ؟ وما عسى أن تكون الآليات القانونية والدستورية لذلك ؟؟** أن تصادق حركة النهضة، على التشكيل الحكومي، الذي سيقترحه قيس سعيّد، فلا تكون ذلك “الجزء المعطّل” كما يقول اللبنانيون..وعلمت “الرأي الجديد”، في هذا السياق، أنّ قيس سعيّد، قد يكون اقترح (حتى لا نقول اشترط) على اللاعبين الدوليين، أن لا تكون حركة النهضة ممثلة في الحكومة القادمة، وهو ما لن تكون النهضة مخالفة له، بترتيب مع رئيسها، راشد الغنوشي.** الكفّ عن إقحام الجيش وقوات الأمن في الشأن السياسي، والصراعات الحزبية والسياسية، والمحافظة على حياد المؤسستين في المعارك السياسية.المخارج لرموز الدولةوبخصوص المخارج لرئيس الدولة، ولراشد الغنوشي، اتفقت الأطراف الدولية، على أن يواصل الغنوشي، رئاسته للبرلمان في مدّة لا تتجاوز الأربعة أشهر على أقصى تقدير، أي إنه يغادر المجلس النيابي، بعد أن يصادق المجلس على المحكمة الدستورية، التي يعتبرها الغرب، وبخاصة الولايات المتحدة، حجر الزاوية في استقرار الوضع التونسي القادم، واحترام المؤسسات الدستورية، وعدم تكرار ما حصل..** الاتفاق على أن يبقى الرئيس قيس سعيد في قرطاج، كرئيس للدولة، مع الإبقاء على صلاحياته في مستوى العلاقات الخارجية، والشؤون العسكرية، وفقا لمنطوق الدستور التونسي، دون أن يكون ثمة من ينازعه فيها أحد.. ومن المرجح أن تستمر رئاسته إلى غاية 2024، التي تعتبرها واشنطن غير بعيدة، وهي كافية لإعادة ترتيب الأوضاع الجديدة في تونس، على أنقاض المرحلة السابقة.وعلى الرغم من أن الجهات الدولية، اتفقت على هذه الأمور، بالشكل الذي أوضحنا، فإن الأسئلة التي ستظل مطروحة في هذا السياق، هي:ـــــ إلى أي مدى سيكون الرئيس قيس سعيد منسجما مع هذه الترتيبات السياسية، وهو الذي أبدى امتعاضه وعدم قناعته بالمنظومة السياسية، وانتقد الأحزاب والبرلمان، وحتى المسألة الديمقراطية، وقد كان ينوي من خلال قرارات 25 جويلية، والخطوة التي أقدم عليها، التأسيس لمرحلة جديدة، تنتهي معها حركة الأحزاب (ما يفسر عدم دعوته لأي طرف حزبي حاليا للتشاور معه في مجريات الأمور الراهنة)، ونهاية البرلمان (الذي حرص على تجميده)، والديمقراطية، التي قصم ظهرها بفعل قراراته المتخذة يوم 25 جويلية ؟؟ـــــ كيف سيكون ردّ فعل المكونات السياسية، ممن رحبت بالقرارات، باعتبارها قد أخرجت خصمها (حركة النهضة) من المشهد الحكومي.. هل ستقبل بهذه الاتفاقات الدولية، التي لا ناقة لها ولا جمل فيها، بل قد تكون أخرجتها بدورها من السياق السياسي القادم ؟ـــــ كيف سيواجه “حراك 25 جويلية” من الشباب والتنسيقيات، هذه الترتيبات، سيما وأنها ستعيد البرلمان ورئيسه، والحكومة ومكوناتها (وإن اختلفت أسماء وزرائها) إلى الواجهة من جديد، مع الإبقاء على حركة النهضة في المشهد السياسي والحزبي، بعد أن كانوا يظنون أنّ ما بعد 25 جويلية، سينهي الوضع الراهن برمته ؟؟ـــــ ماذا بشأن ملفات الفساد، خاصة ما تعلق بــ الحيتان الكبيرة”، و”القروش الفتاكة”، التي تم الاتفاق ــ مبدئيا ــ على عدم المساس بها، تماما مثل النواب الذين لن يواجهوا السجون والإيقاف، إلا من تعلقت به قضايا فساد حقيقية، أي من خلال ملفات ووثائق، وليس عبر الأمنيات وحركة التشويه التي برع فيها سياسيون ونشطاء وإعلاميون ؟؟ هل سيرضى أنصاره وتنسيقيات الرئيس، بهذه الترتيبات، وهم الذين منوا النفس بتغيير راديكالي ؟؟نعتقد، أنّ هذه الترتيبات والتوافقات الدولية الأخيرة، بشأن تونس، ستضع حدّا لما بعد 25 جويلية، لكنها لن تعيدنا مطلقا إلى ما قبلها، وهنا فإنّ قيس سعيّد بانقلابه الذي قام به، قد حقق أمرين اثنين على الأقل :1 ــ خلق حالة سياسية واجتماعية جديدة، لن يكون معها ما قبل 25 جويلية حاضرا البتّة في المشهدية العامة.2 ــ أحدث زلزالا صلب خصمه السياسي والاجتماعي، ونعني هنا حركة النهضة، التي دخلت اليوم في نقاشات وصراعات محمومة (من الأعلى إلى الأسفل)، من غير المستبعد أن تؤدي إلى شقها إلى نصفين، قد ينفرد رئيسها الحالي بشق منها، بعد أن يتعذّر عليه إقناع خصومه في الداخل، أو المختلفين معه ــ على الأقل ــ في بقائه على رأس الحركة خلال الفترة القادمة..تونس مقبلة على تطورات دراماتيكية، ستتفكك فيها ومن خلالها، أحزاب ومنظمات ورجال ورموز، فيما ستنشأ مكونات جديدة، سيكون الشباب أحد أهم حلقاتها، التي ستبني ما هدمته صراعات السنوات العشر الماضية وما قبلها، منذ تأسيس ما يسمى بــ “الدولة الوطنية”..الحرب القادمة، هي في التوقيت، أما الهدف والبوصلة، فهما واضحين، ولا يناقش بشأنها اثنين، و”لا يتناطح حولهما عنزان”، كما كان يقول ويكتب المرحوم، محمد الطالبي.