د.زهير بن يوسف
في جولة له مسائية داخل النسيج العمراني العتيق بإحدى المدن التونسية التاريخية، أعرض عن “باب الجديد” و “ساباط السعيّد”، ومال على ” الربض القبلي” فدخل البلد من بابه ذائع الصيت “باب الجنائز”.
ترك “الملاسين” على شماله و”بطحاء تحت التوتة” و”بطحاء البرادعية”، ونظر عن بعد فلاح له ” باب المدينة” أو اطلال منه تكسوها غيوم ذاكرة ضاربة بعمقها في الظلال، وبدت له ” القصبة” متربعة في كبرياء القلاع الحصينة، تطل من أعلى هضبة “عين الشمس” على كامل مرج ابن عباس الساحر، وبدا له ” برج المنسي”، وشما على صدر الزمان، منسيا يأبى النسيان.
*
هل يمرّ “بالحوكية” و” باب سويقة” ام يمضي إلى ” باب العين”؛ و”المكمدة” ؟ وينحدر من هناك إلى باردو، حيث سواني بنت الريّ و ” بير دلنسي”؟
تردد قليلا ثم قرّر أن يعرّج على الأسواق: “سوق العطارين” “فسوق القماش”.
تردد من جديد وقد قرر الوصول إلى “باب السبعة”: سبعة من الأولياء أم سبعة أرباب لديانة قديمة؟
هل يجتاز ب”سوق اللفة” وفندق الجرابة أم “بسوق النحاس”؟ ويضطر إلى المرور ب”حومة الأندلس”؟
*
أخيرا قرر الانعطاف عبر مسلك آخر:
سوق قديمة غاب رسمها،
سأل بعض من صادف بها من كبار المدينة عن إسمها، سأل وكرر السؤال؟ لم يجبه أحد ؟
قال إنها كانت تسمى “سوق الزنايدية”،
لم يعرف أحد للتسمية معنى،
قال إن التسمية ذات علاقة بإصلاح الأسلحة، البنادق والمكاحل والقارابيلة تحديدا، تماما مثل سوق السلاح بمدينة تونس، الزنايدي هو الذي يصلح زناد البندقية.
فجأة انبرى الحاج صلاح قائلا: “إي نعم صحيح، والد إبراهيم قزبار كان زنايدي”.
وأردف آخر: “صحيح، هو آخر زنايدي عرفناه بهذه الحرفة”.
فتحت شهية النقاش وازداد المشاركون فيه، على قارعة الطريق.
*
جاءت سيرة العالم محمد التواتي، وانطلق الحديث عن مؤلفاته،
المفاجأة الكبرى فجّرها الحاج أحمد الزين لمّا عقّب على كلامه بأفعال وقعها فوق الكلام، قال إن للتواتي مؤلفات من بينها ” غنية الراغب” و” الشواهد الشعرية” و” لامية الأفعال” و” الخبر في عجائب البشر”، ومخطوط بعنوان “شرح الأخضري الكبير في الفقه”.
استسمحه أحمد الزين في الانعطاف إلى دكانه داخل سوق القماش وجاء بمخطوط انيق منسوخ بخط مع مغربي جميل، وانبرى قائلا؛
هذا هدية لك: “عمدة البيان في معرفة فروض الأعيان”، وهو تعليق على شرح المختصر لعبد الرحمان الأخضري.
مخطوط نادر آخر يضاف إلى نفائس مخطوطات خزائن هذه المدينة التاريخية.
شكرا لك سي إحميدة وعلى ما اختصصتني به من ثمين الهدايا.
د.زهير بن يوسف