” مقبرة المسيد “: الإشكال والقرار؟

0

” مقبرة المسيد “: الإشكال والقرار؟

د. زهير بن يوسف

1.  تاريخية المقابر:

علاوة على المقبرة البونيةla nécropole phénicienne التي تم اكتشافها سنة 1883 بجبل بوعنبة، توجد بمدينة باجة العديد من المقابر، وهي مقابر متعددة بتعدد الديانات والصبغة، فمنها المقابر العسكرية كمقبرة الكومنوالث لقتلى الحرب، ومنها المقابر المدنية كالمقبرة الكاثوليكية وجبانة اليهود( تم نقلها إلى مقبرة بورجل بالعاصمة عام 1990)، ومنها المقابر الإسلامية وهي عديدة على غرار مقبرة سيدي محمد الزوابي، ومقبرة سيدي عبد العاطي ومقبرة سيدي فرج ومقبرة سيدي خلف ومقبرة المسيد، فضلا عن مقبرة سيدي صالح الزلاوي، وهي تبعا لما تم العثور عليه فيها من نقائش جنائزية، أقدمها وأبقاها، إذ يعود تاريخ إنشائها إلى القرن 3 للهجرة/ 9 للميلاد على الأقل تبعا لما تم العثور عليه فيها من نقائش قبرية تعود تباعا إلى سنة 273/886، و270/ 884 وخاصة إلى  170/ 786 وهي أقدم نقيشة إسلامية بالبلاد التونسية على الإطلاق.

2. مقبرة الزلاوي وطاقة الاستيعاب القصوى:

مقبرة الزلاوي فضاء جنائزي يقع بالأساس على هضبة الولي الصالح سيدي بو دينار، يحضر بكثافة في وثائق الأرشيف مقترنا بالخصوص بإشكاليات الانتزاع والمعاوضة وخاصة بإشكاليات التوسيع، على غرار الإذن الصادر  بانتزاع قطعة الأرض المعروفة بسانية بن عيش  لمصلحة توسيع هذه المقبرة بتاريخ 21 جويلية 1931.

على أن هذه المقبرة التاريخية لاعتبارات تتعلق بالتوسع العمراني والانفجار الديمغرافي وأخرى تتعلق باندثار بقية المقابر وإتيان العمران عليها وتوقف الدفن في بعضها الآخر

قد بلغت أقصى طاقة استيعابها  مما حدا بالمجلس البلدي منذ أواسط السبعينات إلى التفكير الجدي في إيقاف الدفن بها وإحداث مقبرة إسلامية جديدة في الجوار المباشر للطريق الحزامية على مستوى  منطقة المسيد باتجاه الهوارية وعين العشاء، وهذا ما تم بالفعل بمقتضى القرار الصادر  بتاريخ 9 فيفري 1980.

3. مقبرة المسيد:

بعد المصادقة على إحداثها في شهر فيفري 1980، كانت المقبرة الإسلامية الجديدة بالمسيد، ضمن المشاريع التي تم الشروع في إنجازها انطلاقا من نفس السنة باعتماد من بلدية باجة  قدره 35.000د.

خلال الدورة النيابية 1980- 1985 قام المجلس البلدي برئاسة السيد الطيب الغربي، رحمه الله، ببناء القسط الأول من مشروع المقبرة الجديدة والخاص بالسياج الخارجي والميضاة ومسكن الحارس بتكلفة قدرها 22.000 د. وكان من بين توصيات المجلس نقل المقبرة الحالية وهي مقبرة سيدي صالح الزلاوي إلى الفضاء الجنائزي الجديد.

خلال الدورة النيابية 1985-1990  التي ترأسها تباعا السيد صلاح الدين بن مبارك، رحمه الله، ثم السيد المنصف الرباعي تقدمت الأشغال الخاصة بنقلة مقبرة الزلاوي إلى فضائها المستحدث بالمسيد حيث وقع تقسيم المكان الجديد إلى مربعات دفن وفتحت فيه المسالك وتمت تهيئتها مع إعلاء السياج وتهيئة الميضاة ومصلى الجنائز زيادة على التشجير وذلك بتكلفة قدرها  150.000د. ولكن دون أن يقع إغلاق مقبرة الزلاوي القديمة ودون أن يتم الشروع في عمليات الدفن بالمقبرة الجديدة.

وفي الوقت ذاته تعهدت البلدية باقتناء سيارة لنقل الموتى بتكلفة قدرها 20.000د وعبرت عن أملها في افتتاح المقبرة في القريب العاجل: كان هذا في ماي 1990.

4. تفعيل قرار إنشاء المقبرة الجديدة

بتاريخ الخميس 30 سبتمبر 2020 عقد المجلس البلدي جلسة استثنائية أشرف عليها السيد ياسر الغربي رئيس بلدية باجة تقرر فيها تفعيل قرار إنشاء المقبرة الإسلامية بالمسيد بباجة الجنوبية الصادر فى 9 فيفري 1980 ليتم في اليوم الموالي، طبقا للبروتوكول الصحي، دفن جثمان أول مواطنة من سكان مدينة باجة توفيت متأثرة بوباء كورونا.

والسؤال المطروح ما هي المستندات التي اعتمد عليها المجلس البلدي في اتخاذ هذا القرار؟

5. المسيد في الذاكرة الجماعية:

المسيد جبل جنوب غربي مدينة باجة يبدو أن السياحة، بالمفهوم الصوفي، قد قادت الشيخ عقيل بن مسلم، وهو من الصلحاء،  ويلقب بالمسيد، في إشارة  إلى بعض ما قد يكون أوتي من كرامات متصلة بمعالجة المرضى بتقنية التمسيد على ما يذكر الجدود، إلى الاعتكاف به فأعطاه إسمه، ومن غير المستبعد أن يكون رابط به بعض الوقت للمراقبة والاحتراس، ومما يدعم هذه الفرضية وجود رباط أغلبي بالمكان مازالت أطلاله قائمة إلى اليوم في محيط 3 مواجل رومانية( دواميس). وفي جواره تقوم مقبرة قديمة، كانت تعرف بمقبرة الغرباء، يثوي بها  علي القلصادي( ت1486) عالم الرياضيات المشهور.

 علما أنّ المسيد، وهو لقب سيدي عقيل: نجل الولية الصالحة محبوبة الحسنية الشريفة الملقّبة بطبوبة لتعاطيها تطبيب المرضى أي مداواتهم، عند المغاربة في الفترة الوسيطة هو المؤسسة التربوية الجامعة التي تم إعدادها لصقل العابد في مسيرة ترحاله إلى الله ليستثمر يومه وليله في الإقبال على الله و” فيه يمسد خُلقه ويشده ليتمكن من حمل النفس على الشدة التي قد لا يتحملها الإنسان العادي من غير أولي العزم”. وهذا معنى ثان للفظ المسيد.

كما أنه من غير المستبعد أن يكون اللفظ كما في الجزائر والمغرب اليوم مرادفا للمدرسة أو بالأحرى الزاويةـ المدرسة أو أيضا ” الخلوة” الصوفية مثلما هو الشأن في أنحاء مختلفة من العالم الإسلامي( المغرب، الجزائر، ليبيا، مصر، فلسطين، السودان،،،)

وتتحدث الذاكرة الجمعية الباجية عن المسيد ورجال المسيد،

يقول الشاعر محمد المنزلي في قصيدته ” مدحة رجال باجة”:

     وأهل المسيد سادة وأيمة     كمالتهم لا يستفيها كلام

مما يعني أن رجال المسيد هم مجموعة من الصلحاء استقروا بهذا الرباط، ودفنوا به،  وهم على غرار ” الرجال السبعة” و ” رجال السلسلة” على ما يحظون به في المخيال الجمعي المحلي من إجلال وتبجيل لا تعرف لهم  هوية ولا سيرة ما عدا صفات الكمال الروحي والإمامة في الدين والقيام ربما بالأدوار الروحية والاجتماعية الأولى في عصورهم، على أنهم قد يكونون  بكل بساطة من أصحاب  الشيخ عقيل بن مسلم ومريديه.

6. سؤال التربة؟

لماذا لم يتم الشروع في نقل مقبرة الزلاوي العتيقة إلى المقبرة الجديدة بالمسيد رغم أنّ المقبرة كانت جاهزة ومهيأة منذ 30 عاما بالتمام والكمال؟ ولماذا تأخر على الأقل تفعيل قرار الإنشاء ولا تم الشروع بالدفن فيها طول هذه المدة؟

الشائع بين الناس أن المجالس البلدية السابقة لم تقدم على اتخاذ هذا القرار لسبب يبدو جيولوجيا يتعلق بطبيعة التربة، وهي تربة من الطفال الطيني marne، يخشى معها من انزلاقات  الأرضية glissements ومضاعفاتها بالاستتباع على استقرار القبور والمحافظة على رفات الأموات؟  فضلا عن طول المدة التي تستغرقها عملية التحلل الطبيعي للجثث فيها،،،،

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا:

–  إذا كان الأمر على ما يقال فعلى أي أساس اقتنت البلدية في السابق قطعة الأرض المذكورة؟

– وعلى أية أسس خصصتها وهيئتها، والدراسة الجيولوجية الهيدروغرافية لمثل هذه الفضاءات ضرورية؟

– وعلى افتراض وجاهة هذه التحفظات ووجود قرائن تؤكدها فإلى أي حد بقي إشكال الانزلاق موجودا بعد مضي 40 عاما على تسييج هذا الفضاء وتشجيره وبالتالي تحصينه من أية إمكانية انزلاق أو انجراف؟

– إلى أي حد لا يشكل الدفن في مقبرة المسيد، وترابها كما يقال محرر، خطرا على المائدة المائية  وعلى صحة الأجيال القادمة؟

–  هل تم تفعيل  القرار  البلدي القديم اعتمادا على اختبار محين للتربة؟

قد يكون تفعيل قرار الدفن بالمقبرة الجديدة بمقتضيات الضرورة ومتطلبات الحاجة المتأكدة، وقد كان ضروريا مع أزمة وباء كورونا للاستحالة الميدانية للدفن بمقبرة الزلاوي وفقا لتراتيب البروتوكول الصحي بحكم ضيق الفضاء، رغم انه كان في مقبرة المعقولة على سبيل المثال متسعا، على أن نقطة إعلامية معززة بخبراء في الاختصاص ضرورية  طمأنة لقلوب الناس.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.