من أيّ الطين عُجنوا؟

0

قيادات العمل النقابي بهذه البلاد…

لعلّ ائتلاف الكرامة نزل إليكم من السماء إذ ألقى لكم، بخطاب قادته، طوقَ نجاة لكم من لحظة يقودكم حتم الثورة إليها… أراكم تحتالون لتشيطنوا خصوما لكم ليسوا خصوما ولتقدّموا أنفسكم في صوة الضحية.. صورة القوّة الوطنيّة المقدَّسة التي تستهدفها مؤامرات الداخل والخارج.. مؤامرات الإرهابيين والعملاء والمتربّصين بالدولة والمجتمع.. لذلك فالواجب الوطنيّ المقدَّس يقتضي الوقوف إلى جانبكم، أنتم الاتّحاد، في وجه شياطين الإنس والجنّ الذين يستهدفون جنّة أنتم خَزَنَتُها…

من تتّهمونه بالإرهاب يتّهمكم بالفساد.. ولن تكونوا أقدر على إثبات تهمة الإرهاب عليه منه على إثبات تهمة الفساد عليكم…

دعونا من الكلام الخشبي الذي تقولون فيه: لا أحد على رأسه ريشه.. ولا أحد ممّن يَثبتُ فسادُهم فوق المحاسبة.. فنحن لا نزال نرى ريشا كثيرا على رؤوسكم إذ تذكّرنا القيادات المفوَّهة منكم، كلّما تحدّثت، بالديَكة والطواويس وبكلّ ذوات الريش…

لا نزال نذكر ريشكم المنفوش عند هوجتكم لمّا مُنع كبيركم عبد السلام جراد من السفر.. وقتها توعّدتم بالتعجيل بيوم القيامة ولم تراعوا في البلاد شيئا.. ومن وقتها تحوّلتم إلى سرعتكم القصوى في اتّجاه قطع الطريق على هدف من أهداف الثورة: محاسبة الفاسدين…

أنتم لستم يسارا ولا صلة لكم بأوجاع الكادحين ولا بمعاناة المعطَّلين كما تدّعون.. وليس يعنيكم من الأمر شيء غير مصالحكم التي حصّلتموها من سِفاح كان بين الفاسدين وبينكم لمّا كنتم ترضعون من ثديي الدكتاتورية والفساد حتّى الثمالة بعيدا عن قيادات العمل النقابي الجهوية والمحلية المكتوية بالنيران بجنب شعبها تجد ما يجد… وحتى ما يبدو من علاقاتكم ببعض الطيف السياسي الباقي لا يعدو تبادل مصالح.. وأنتم مصالحكم شتّى…

أنتم في ورطة لأنّ منكم غارقين في الفساد والإفساد.. بدءا من صغائر الفساد انتهاء بأكبر كبائره.. لا ننكر أن بينكم وطنيين صالحين على وطنهم مشفقين.. ولكنّ المتنفّذين منكم عليهم شُبَهٌ يتداولها الناس في سرّهم والعلن.. والفساد كالمرض مُعْدٍ.. والفاسد يسرّه أن يستويَ به سواه.. وأوّل الفساد أنّكم تتحدّثون عن العمل ولا تعملون.. وقصارى ما تنجزون: اجتماعات في السرّ وصراخ في العلن.. فلا إنتاج ولا إنتاجية.. ولا معنى…

لاحظوا…

بن علي هرب.. وسقط قناعه الذي كان يحجب وجهه القبيح.. وتلاشت معجزاته التي أشادت بها جريدة الشعب الغرّاء طويلا… جريدة الشعب التي كانت تتزيّن بصورة بن علي في أعلى صفحة غلافها حتّى لتبدو صورته أكبر من عنوانها.. ذهب بن علي وذهبت تحدياته التي ظلّت القيادات النقابية العظمى ترفعها معه وتشيد بإنجازاته وتناشده ليستمر في رئاسة البلاد حتّى يرافق الله في خلوده.. ذهب بن علي وانكشفت أوزراه التي كانت تضعها المركزية النقابية عنه.. ولمّا غاب حملتها دونه، وهي لا تدري، وهي تحسب أنّها ورثت سطوته واحتكرت صولته.. ودالت لها دولته…

المنظومة يسقط بنيانها شيئا فشيئا وأحجارها تتهاوى واحدة تلو الأخرى…
جاءت حكومات.. وذهبت حكومات.. وحصلت مفاجآت.. ونسختها مفاجآت.. وهبّت على جميع الأطياف رياح هوجاء هزّت البعض من جذوره وأزاحت البعض عن مكانه..
الترويكا حكمت وسقطت.. وقد فشلت…
وفشل من جاء بعد الترويكا…
فشل المرزوقي..
وفشل الباجي..
وذهب الحبيب الصيد ولحق به يوسف الشاهد…
فشل الإسلاميون في الحكم..
وفشل اليساريون في المعارضة..
ولا يزال السياسيون جميعهم بلا استثناء تحت رجّات الثورة الارتدادية تميد الأرض من تحتهم حتّى أنّ فصيلا سياسيّا واحدا لا يملكُ أن يملكَ توازنه.. فالأرض إذ تميد لا تستشير أحدا.. ولا تستثني أحدا…
اليسار جميعهم، بمختلِف أطروحاتهم، بلا استثناء، صاروا أثرا بعد عين.. وما بقي منهم غير أصداء أصواتهم.. والإسلاميون أكلت السلطة من أطرافهم كما أكلت، من قبلُ، قلوبَهم…

وحدكم بقيتم شهودا على أنّ مِن الكائنات ما لا يجري عليه قانون الزمان.. لا تعرفون عجزا.. ولا يمرّ بجنبكم فشل.. ولا يراودكم خطأ ولا يداخلكم فساد.. ولا تأخذكم سنة ولا نوم.. ولا يصيبكم قصور ولا يعتريكم نقصان. كأنكم خلقتم أنفسكم كما تشاؤون.. وكأنّ الله قد خصّكم بطين خَلْقٍ لم يُشركّم فيه أحدا.. تحكمون على الكلّ ولا أحد يحكم عليكم.. تفسدون اللحظة.. وتلعنون الفساد.. تشعلون النار وتحتفظون بعلبة الثقاب.. ثمّ تتدخّلون حكّاما لتفصلوا بين التنازعين وتتظاهرون بإطفاء نار أنتم مُشعِلوها.. وتنالون على تدخّلكم الجوائز الدولية كأنّكم حمام السلام…

أرهقتمونا بخطاب ركيك وعناوين بليدة:
منظمة عريقة..
كان لها دور وطنيّ في معركة التحرير..
ساهمت في مقاومة الاستعمار…
ساهمت في مقومة الاستبداد…

هل أنجز الأسلاف ما أنجزوا ليبتزّنا به الأخلاف؟
هل علينا أن نعيد عقارب الزمن إلى الوراء لنطلب إليكم ترك معارك التحرير والتخلّي عن لعب الأدوار لقاء ترك البلاد لحريتها بعيدا عن وصايتكم؟

الثمرة كلّما دنا منها النضوج غرزتم فيها دودكم وحمّلتموها أسباب التعفّن…

ماذا تريدون؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.