مشكلة القمح و كذبة مطمورة روما.
عاطف العسالي
نبذة تاريخية حول زراعة القمح و الحبوب عامة في تونس:
يعتبر شمال افريقيا مهدا لزراعة القمح الصلب (الي نعملو بيه السميد و الكسكسي و المقرونة
و المقروض و الرفيس و المحمصة و البركوكش و هريسة اللوز… ) تلاحظو ان اغلب اكلاتنا القديمة لا تدخل الفارينة في مكوناتها و ذلك لسبب بسيط ان الفرينة (كانت تسمى القمح المصري لانه زمن البايات كانو يستوردو الفارينة من مصر سنوات الزمة و الجفاف)، دخلوها الفرنسيس لبلادنا لكن زراعتها كانت منحصرة في ضيعات المستعمرين.
يعتبر القمح الصلب اساس النظام الغذائي التونسي قديما و حديثا، و يتوفر سجل القمح التونسي على عشرات الاصناف و المجموعات (مجموعة اصناف قديمة هجينة تقترب في الخصائص لتمثل صنفا ما ، تم عزلها لاحقا لتعطي صنفا واحدا مستقر جينيا). يزرع القمح في كل ارجاء البلاد من جبال خمير حتى سهل الجفارة و واحات الجريد. و كان انتاج تونس يشهد تذبذبا سنويا تماشيا مع الظروف المناخية من جفاف و فياضانات… فخلال سنوات الجفاف كان سكان الساحل و الوسط و الجنوب و قبائلهم يتحولون للشمال (الفحص، سليانة، الكاف، جندوبة ، باجة و بنزرت) للعمل ك” هطّاية” في المزارع و يتحصلون على عُشر المحصول مقابل جمعهم للصابة، و كانوا يتنقلون بابنائهم و قطعانهم لتلك المناطق. و عند حلول الخريف يرجعون بكميات من الحبوب تكفيهم للسنة القادمة…
في سنوات الممطرة لا يتنقل السكان الى الشمال و يتم تصدير فائض الانتاج الى دول اوروبا.
هذا يبين ان البلاد التونسية لم تكن تشهد دائما فائضا في الانتاج، بل شهدت احيانا مجاعات و ازمات غذاء. و لذلك لا بمكن اعتبارها مطمورة لاي بلد آخر.
بعد الاحتلال الفرنسي اهتم المحتل بقطاع الحبوب و وضع جهازا كاملا لتجميع و نقل و تحويل و توزيع المنتوج داخليا و خارجيا (خدمة للمستوطنين). و بدأ بجمع و تسجيل الاصناف التونسية و تثبيتها و ادخال اصناف اخرى من المغرب و الجزائر و جنوب اميركا.
رغم تطور الممارسات الفلاحية الفرنسية كانت البلاد تشهد من سنة الى اخرى ازمات غذاء (عام الروز و عام الشر…) و لكن في اغلب الاعوام كانت تونس تصدر كميات صغيرة من القمح الصلب.
بعد الاستقلال تواصلت الحالة على ما عليها، و مع الانفجار السكاني (3,5 مليون سنة 1956 و 12 مليون حاليا) ، و انحصار المساحات المزروعة قمحا، شهدت تونس تناميا للطلب على القمح و الحبوب، فلجأت الدولة الى استيراد القمح اللين (فرينة) و الشعير و القمح الصلب كذلك (بوتيرة اقل). و تواصل استنباط اصناف تونسية جديدة.
ملاحظة : تتميز الاصناف التونسية القديمة بمواصفات جيدة اهمها الجودة المصنعية و اللون و الطعم الجيد. و لديها مساوئ اهمها طول فترة دورتها الحياتية و طول القصبة مما يجعلها عرضة للتقلبات المناخية و الامراض و الرقاد (مرڤودة). و هذا يعد عائقا كبيرا لمحاولات تكثيف و تطوير الانتاج الوطني.
خلال سبعينيات القرن الماضي حدثت ثورة تقنية في زراعة القمح بعد تهجين الاصناف التونسية الطويلة مع الاصناف المكسيكية القصيرة و الخصبة.
هذا التهجين اعطانا اصناف جديدة (كريم و رزاق …) كان لها الفضل في تطوير الانتاج الوطني و تعممت زراعتها في كل المناطق و تخلى الفلاح التونسي عن الاصناف القديمة تدريجيا مع انحصار زراعتها في بعض المناطق الجافة او الجبلية الوعرة.
ملاحظة: التهجين هو تزاوج طبيعي بين صنفين او اكثر للتحصل على احسن ميزات تلك الاصناف. لا يجب الخلط بين التهجين و “التعديل الوراثي” للنباتات.
سبب هروب الفلاح التونسي عن الاصناف القديمة هو عدم ملائمتها للزراعات المكثفة و للميْكنة الفلاحية.
نتاجا لهذا التحديث ارتفع معدل انتاج الهكتار وطنيا من 10 الى 18 قناطر في الهكتار. مع تواصل التذبذب بسبب الجفاف من سنة الى اخرى.
خلال سنوات 2000 بدأت بعض الشركات بتوريد اصناف ايطالية و فرنسية (يتم اكثارها في تونس) لكن لم تلقى رواجا كبيرا لدى الفلاحين ( 5% فقط من المساحات).
واقع القطاع و افاق التطوير:
يستهلك التونسي سنويا 250 كغ من القمح بنوعيه و هو من اعلى المعدلات العالمية، اي ما يقارب 25 مليون قنطار في حين لا ننتج سوى 13,5 مليون قنطار منها 11 مليون قنطار من القمح الصلب ( معدل انتاج 10 سنوات).
يتركز الانتاج في ولايات الشمال الغربي و ولايتي زغوان و بنزرت (90%).
يتم بذر قرابة مليون هكتار من القمح بنوعيه سنويا و تنتج ولاية باجة قرابة 30% من الانتاج الوطني.
95% من المساحات تزرع باصناف تونسية( مستنبطة في المعهد الوطني للبحوث الفلاحية منها اصناف: كريم و رزاق و نصر و معالي و سليم و الذهبي للقمح الصلب و اوتيك و حيدرة و فاڤا و تاهنت للقمح اللين).
تعتبر المردودية في الهكتار من الاضعف عالميا و هذا عائد الى عوامل محددة للانتاج اهمها :
الاضطرابات المناخية و سوء توزع الامطار على امتداد دورة انتاج القمح.
سوء تطبيق الحزمة التقنية من قبل الفلاحين (أمية فلاحية)، (اضرب هنا مثالا لمنطقة باجة، تجد فيها فلاحين متجاورين، نفس الارض، نفس الامطار، الاول يطبق الحزمة التقنية يتحصل على 60 قنطار في الهكتار و الثاني يتعثر في تطبيقها يتحصل على 25 قنطار.)
عدم توفر بعض مدخلات الانتاج من ادوية و اسمدة عند ذروة الطلب.
تدني سعر قبول القمح عند الانتاج من قبل مراكز التجميع.
تدني المساحات السقوية الموجهة لانتاج القمح.
افاق التطوير:
اقامة دورات تدريبية الزامية لمنتجي الحبوب و حثهم على تطبيق الحزمة التقنية خاصة خلال المواسم الجيدة.
تخصيص مساحات سقوية اكبر لزراعة الحبوب و ذلك بدعم سعر المياه او مجانيتها (مسالة امن قومي).
دعم البحث العلمي الفلاحي لاستنباط اصناف مقاومة للجفاف و ملوحة المياه و ذلك لرفع الانتاج في المناطق الاقل ملائمة.
يوجد حل آخر اما ما ينجموش يطبقوه خاطر لازمو رجال و نساء يحبو الخير لتونس و لشعبها. تخصيص 100000 هكتار في ولايتي قبلي و تطاوين لانتاج الحبوب و الاعلاف السقوية من خلال استغلال المائدة المائية المشتركة بيننا و بين كل من الجارتين ( الجزائر و ليبيا المائدة ردوها كسكاس من كثرة الابار.ع
اطف العسالي