تونس في 27 فيفري 2022
رسالة مفتوحة ثانية موجّهة إلى السيد وزير التربية
الأستاذ الدكتور فتحي السلاوتي،،،المحترم
الأستاذ الدكتور محمد بن فاطمة
الخبير الدولي (Senior) في تقييم النظم التربوية وإصلاحها
ورئيس الجمعية الوطنية للائتلاف المدني لإصلاح المنظومة التربوية
الموضوع: ملاحظات منهجية وإيبستمولوجية حول “التقرير العام النهائي لإصلاح قطاع التعليم الابتدائي” الصادر عن وزارة التربية، بتونس
سيادة الوزير،
لقد اطّلعت بتمعّن على محتوى “التقرير العام النهائي لإصلاح قطاع التعليم الابتدائي”. وتبيّن لي أنّه لا شكّ تطلّب من القائمين عليه، جهداً كبيراً، ووقتاً طويلا, ومعرفة بمقتضيات التعليم الابتدائي. لكنّ القراءة الفاحصة للتقرير من زاوية تداعيات (4.0) في مجالي التربية والتعليم والتكوين، أملت عليّ أن أبدي لكم الملاحظات التالية:
الملاحظة الأولى: إنّ المنهجية العلمية لإصلاح النظم التربوية المعتمدة في الأوساط المتخصّصة، لا تقوم على معالجة النواتج، أي معالجة الوضع الذي عليه مختلف مكوّنات المنظومة التربوية في كلّيتها أو في بعض أبعادها؛ وإنّما تقوم على معالجة الأسباب (العوامل المتحكّمة) التي أدّت إلى الوضع الراهن (في أبعاده الموجبة وفي أبعاده السالبة).
ومن هذا المنطلق، إنّ النهج الذي اعتمدته الوزارة من خلال هذا التقرير العام، لا يتوافق مع منهجية البحث العلمي في مجالي التربية والتعليم والتكوين. وبالتالي، إنّ معالجة الأبعاد الخمسة من منظومة التعليم الابتدائي كما هي مضمّنة في التقرير، لا تقود إلى تحسين قطاع التعليم الابتدائي؛ ذلك لأنّ العوامل الفاعلة التي تحرّك القطاع غائبة في بردقم الإصلاح الذي اعتمدته وزارتكم المحترمة. وما دام هذه الأسباب لم تُرصد، فنتائج الإصلاح غير مضمونة؛ علما أنّ هذا الوضع كان هو ذاته في إصلاح (1981) وإصلاح (2002).
وفي المحصّلة، إصلاح التعليم الابتدائي كما جاء من خلال التقرير العام مرشّح مسبقاً لأن لا يحقّق أهدافه؛ على الأقل في مستواها الأدنى المأمول.
الملاحظة الثانية: أشير إلى سيادتكم، إلى أنّ أسباب تدنّي مستوى التعليم (العوامل المتحكّمة) التي يتعيّن معالجتها لضمان الإصلاح المنشود، محفوظة في بعض الرفوف بوزارتكم (اسمحوا لي أن أتحفّظ عن ذكر اسم الإدارة المعنية، إلاّ في مقابلة مباشرة معكم). لا محالة، هذه الأسباب لا تُعتبر نتائج التشخيص لواقع المنظومة التربوية؛ بل هي كما تمّ تقديمها، مجرّد جرد (dépouillement) مجرّد جرد لعوامل ما زالت في صيغتها الأولى ؛ فالتشخيص عملية أكثر تعقيداً من الجرد؛ إذ تتطلّب إجراء فحوصات متخصّصة، واستخدام أدوات محدّدة لرصد طبيعة العلاقة الأفقية والعمودية بين الأسباب في إطار مقاربة منظومّيّة؛ كما تتطلّب وزن كلّ سبب من الأسباب المرصودة.
لذا، أنصح بعدم التسرّع في إصلاح قطاع التعليم الابتدائي، وبتعديل المنهجية التي اعتمدتها لجان الإصلاح، اللهمّ إذا قبلتم بالأخطاء التي اُرتُكبت، وخيرتم أن تبقوا خارج التوجّهات الحديثة لإصلاح النظم التربوية
الملاحظة الثالثة: إنّ مشروع الإصلاح للمنظومة التربوية يمرّ كما علمتم، بأربع مراحل كبرى، وتخضع كلّ مرحلة إلى تقييم خاص بها. ويُسمّى التقييم للمرحلة الأولى ب” التقييم القبلي لبردقم الإصلاح” الذي له تمثّله، وأدواته، وتقنيات توظيفه لمراجعة بعض أبعاد البردقم.
ألاحظ أنّ التقييم القبلي في التقرير العام غائب؛ وهو ما يطرح عدّة أسئلة؛ منها: هل فعلا، تطبيق ما جاء في التقرير العام سيُحسّن من أداء التعليم الابتدائي الذي يشمل أكثر من مليونين ونصف من تلاميذ تونس؟ ما هي الضمانات الموضوعية التي تُؤكّد ذلك؟ من يتحمّل مسؤولية ذلك في ضوء العمل بمبدأ “تحقيق الهدف”.
كذلك أشير إلى سيادتكم، إلى أنّ القول بأنّ ضمان وجاهة التقرير يتمثّل في أنّه أشرف عليه فلان وعلاّن، حجّة واهية في زمن ال (4.0). لكن في المقابل، إن السيد الوزير هو المسؤول السياسي الأوّل على مخرجات الإصلاح. فانظروا فيما تصنعون؟
الملاحظة الرابعة: إنّ العامل الأقوى فعّالية الذي جعل مشاريع الإصلاح السابقة تتّسم بضعف القدرة على تحسين وضع التربية، والتعليم، والتكوين؛ على الأقل على المستوى الأدنى المأمول هو:
– سيطرة التفكير الإنشائي على القائمين على الإصلاحات، الذي يتميّز باعتماد عن وعي أو عن غير وعي، معايير ذاتية منبثقة أساساً عن التجربة الميدانية في المجال؛ فهي إذاً من هذا الباب معايير ذاتية.
– الخلاص يكون بالإقلاع عن التفكير المنهجي الإنشائي، والقفز إلى التفكير العلمي القائم على المعايير الموضوعية؛ علما أنّ التفكير العلمي لا يتخلّى عن التجربة الميدانية؛ وإنّما يتعامل معها بنظرة مختلفة.
وفي الختام، ما دامت السلطات المسؤولة عن المنظومة التربوية لم تحلّ هذه المعضلة (الملاحظة الرابعة)، فإنّ كلّ المحاولات لإصلاح التعليم مهما اجتهد القائمون عليها وطوّروا من مقاربتهم، سوف تؤول إلى الفشل؛ وهو ما لا ترضاه لتونس.