الأستاذ أحمد الغيلوفي
عندما سمعتُ القائمة باعمال وزارة الاقتصاد تقول بان “متفقد المالية الفرنسية جاء الي تونس بهدف المساعدة التقنية” قلت في نفسي “هو بالضبط الكومسيون المالي ورب الكعبة”.
لم نكن نقرا الكف ولانخُطُّ في الرمل حين قلنا منذ سنوات ان الصراع السياسي والاجتماعي ذاهب بنا راسا الي نادي باريس ومنه الي التطبيع. من لا يقرؤون تاريخهم محكوم عليهم بان يعيدوه باستمرار وبشكل مثير للسخرية والاحتقار. اليكم القصة:
بعد ان عبث الباي وحاشيته وكذلك محمود بن عياد ومصطفى خزندار ونسيم شمامة ثم ابن اخيه شلومو شمامة بقرض 1865 ، وبعد ان عملت فرنسا عن سابق اضمار وترصّد على ان لا تسترجع تونس اموالها التي سرقها بن محمود بن عياد، وبعد هذا “نضجت الاجّاصة التونسية”. يقول “قانياج” في “جذور الحماية الفرنسية لتونس” صفحة 213 “لقد اصبح الكي دورساي …يفكر في احتلال الجريد والصحراء التونسية مقابل ان تتحمل فرنسا جزءا من الدين التونسي”. في 15 جانفي 1868 بعث القنصل الفرنسي بتونس الي رئيسه “الفي كونت بوتميلو” يقول “يجب ان تتركز جهودنا على ضمان الادارة الجيدة لموارد تونس والتي تُبدّدها ايادي حكومة الباي، انه علينا ان نراقب بصرامة مواردها الجبائية التي تهدرها الان ايادي غير كفؤة..بهذا نخطو خطوة هامة للهدف الذي رسمناه لانفسنا (الاحتلال).”
وصل “فيكتور فييه” متفقد المالية الفرنسي الي تونس في بداية سبتمبر 1869، كان في الاربعين من عمره وخريج البوليتكنيك، وبعد تجربة ممتازة في وزارة المالية الفرنسية. يقول عنه “غانياج” “كان هو الوزير الاول الحقيقي في تونس” حتى أُطلِقَ عليه لقب “باي تونس”.
لسداد الديون وضع فيكتور فييه يده على قطاعات تونسية هامة منها تصدير الزيت والحبوب والصوف والتمور، وكذلك “قانون” الزيتون الخاص بالساحل والوطن القبلي، وكلك “محصولات” المدن الساحلية وكذلك الديوانة التونسية واسواق الخضر والغلال. كما قلّص من عدد الجيش والغى المدرسة الحربية والغى البحرية.
لا تستمعوا الي المفسرين فهؤلاء كما يقول التوحيدي “بهائم هاملة”. قدوم وزير الخزانة الفرنسي هو للاشراف على الموارد التونسية وهذا يعني الكثير: افلاس غير معلن، وعدم قدرة على استرجاع الديون، اما الاجور والخدمات ستكون من الخوارق التي قد يقوم بها “باي تونس” القديم والجديد. كلها بضعة اشهر. اما نادي باريس فقدوم المسؤول عنه كاف للاجابة.
وصية على موت وعلى حياة: اذا اراد الجياع والفقراء ان ياخذوا بحقهم وينتقموا من احد، فعليهم بالحمقى الذين ظلوا ينفخون في الصراع وفي هذه الملهاة ويتناحرون وتركوا البلاد الي مصيرها. سيبحث المرضى والموتورين عن رمي المسؤولية على “الاخرين”- كصنيعم دوما- حتى يفلتوا من المحاسبة، لذلك نقول : كلهم اثخنوا في الشعب والبلاد، بلا استثناء، وكل حسب جهده. فلا تستثنوا منهم احدا،من الترويكا حتى قيس سعيد الذي اطلق على البلاد رصاصة الرحمة-النقمة.