د.زهير بن يوسف
دفع بابا مخلوعا، شبه باب خال من الألوان إلا من بقايا طلاء قديم، كاد الباب أن يتهاوى أمامه، لا شك أنه في الرمق الأخير.
كان الفضاء قفرا إلا من كلب سائب اندفع بين يديه لا يلوي على شيء:
– باحة كبيرة ملطخة هناك وهناك بآثار لقرابين،
– وجدران قديمة ضمخت ببصمات اليد الخمسة.
طالعته حجرات جلب انتباهه معمارها الأندلسي: دعامات وأقواسا وسقوفا قرميدية.
سقف منهار وآخر يريد أن ينقض.
تقدم نحو إحدى الحجرات، لكنه سرعان ما تراجع: حفير هائل ولا أثر لبئر او ماء،
في منتهى سقائف ثلاث وقباب متفاوتة الأحجام والأشكال، كانت القباب محمولة على أطلال جدران وأعمدة متآكلة وتيجان قديمة، انتصب المركّب الجنائزي، لاحت له عن بعد سناجق وأعلام وصوار،،، مترنحة متهدلة منسدلة،،، تقدم بخطى مترددة نحو قاعة الضريح.
في منتهى هذا الرواق المكفهر بدا له التابوت مجللا بهالة من نور خافتة تنبعث من شمعة يتيمة ذاوية. لا ألق حواليها ولا عبق.
المكان يغري بالتوغل ومزيد الاستكشاف،
ولكن الوحدة ووحشة المكان وغياب أي أثر للإنسان وتفاقم الخراب،،، كل ذلك حال دونه والمكوث أكثر في هذه الزاوية- المدرسة وقد انتهت إلى زاوية- مدفن بل زاوية- قبر، بل جبانة سائبة لا غير.
كان المقام لوليّ، قيل إنه مرابط من تيار الصوفية الأشراف،
انتبه إلى أن التابوت الخشبي المخرّم محوّل عن مكانه، وانتهى إلى غير موضعه.
أغراه المشهد بأن يتعامل مع شاهدة القبر مباشرة، لعلمه المسبق بأنها تعود إلى صدر العهد الحفصي، طمع في مباشرة لُقية أثرية جديدة، استجمع رباطة جأشه وحث الخطى باتجاه النقيشة الجنائزية، إلا أنه سرعان ما تراجع خطوات القهقرى، يا لهول ما رأى،،،
كان القبر مفتوحا منبوشا، واللحود متناثرة على غير منهج،
ورفات الولي تثوي في الأسفل بلا حول ولا طول وقد انحطت عنها الأكفان وعرتها انتهاكات بقية إنسان لذكرى إنسان،،، ولا حُرمَةَ ولا جلال.
انبجس من أعماقه صوت مكلوم كنشيج ألم:
إليكم عني يا أبناء النكر، يا أبناء راحيل، أضاقت بكم القصور ، سطوا وانتهابا، فانكفأتم إلى القبور، سلبا وتخرابا،
أهكذا يزنى بالكنوز الرمزية
أبمثل هذه الوقاحة تنتهك حرمة الولي؟
هل هكذا يكرم حفيد النبي؟
هل هكذا يفي الأحفاد بذكرى الأجداد؟
وقفز إلى ذهنه هنشير النصري او ما صار يعرف بحُبُس المرابطة محبوبة الشريفة الحسنية الملقبة بطبوبة، وهو وقف بأزيد من 6 آلاف هكتار لم ينل مالكها الأصلي، صاحب هذا المقام المهمل، غير الخراب والنسيان؟!
أ إلى هذا الحد هو ذاكرة للنسيان؟
أ إلى هذا الحد يكون النكران؟
أ إلى هذا الحد يمسي الإنسان ذكرى إنسان؟
د. زهير بن يوسف