د.زهير بن يوسف
في مثل هذا التاريخ من سنة 1952 وفي إطار التداعيات التي انجرت عن مظاهرة 15 جانفي 1952 النسائية بباجة واندلاع شرارة الكفاح التحريري المسلح في 18 جانفي وتحديدا يوم 2 فيفري مساء أسلم المناضل الشاب صالح الأصفر(1) الروح في محلات الكوميسارية الفرنسية بمدينة باجة تحت التعذيب الشديد الذي ناله بواسطة الصدمات الكهربائية التي ظلت آثارها بادية على جثمانه الطاهر ولا سيما في مستوى الوجه اتجهت فيها أصابع الاتهام أساسا إلى مفتش الشرطة الفرنسي باولي Paoli وزبانيته.
1.ظروف الإيقاف:
كانت الشرطة الفرنسية قد أوقفت صالح الأصفر في ذات اليوم الذي استشهد فيه للتحقيق معه في ما اعتبرته سلطات الاحتلال أعمال تخريب طالت أعمدة الهاتف والسكة الحديدية الرابطة بين محطة باجة ومحطة مستوتة، وهي في الحقيقة بعض أشكال المقاومة غير السلمية التي توختها الحركة الوطنية في خطوة تصعيدية منها ضد فرنسا انخرط فيها عدد من المقاومين تذكر منهم الروايات الشفوية مختار بلحاج قاسم الملقب بمختار الجِنّ وقد كان من بين الذين قطعوا الاسلاك الهاتفية في تلك الفترة دون التفطن إليه.
وكما هو الحال في مثل هذه الوضعيات اتجهت شكوك البوليس الفرنسي إلى صالح الأصفر على إثر وشاية بلغتها في شأنه وقد كان المخبر فيها شخصا ” متعاونا” من ” الأهالي ” يدعى الخميري.
2.الإيقـــــــاف:
لم يتسنّ لسلط الاحتلال اعتقال المظنون فيه فالتجأت إلى ابتزازه عبر احتجاز صهره صالح المنشاري رهينة لديها لمدة 5 أيام لحمله على تسليم نفسه، وهذا ما حصل بالفعل، ليقع إخضاعه لاستنطاق وحشي لم يتمكن فيه الشهيد، رغم أنه كان في مقتبل العمر وذا بنية جسدية صلبة، من الصمود أمام التعذيب، صعقا بالكهرباء وحشو الفم بالتبن،أكثر من 4 ساعات بمحلات الكوميسارية التي كانت تنتصب بجناح من قصر البلدية في مستوى النهج الذي كان يحمل منذ الاستقلال اسم صالح الأصفر.
3. مظاهرة 4 فيفري 1952:
لم تتمكن عائلة الشهيد من استلام جثمان ابنها إلا صبيحة يوم الاثنين 4 فيفري 1952، فكانت الشرارة التي اندلعت على إثرها مظاهرة 4 فيفري التي شاركت فيه، وفقا لنص الحكم الصادر عن المحكمة العسكرية بتونس بتاريخ 20 نوفمبر 1952 والمقال الصادر في القضية نفسها بجريدة لوموند الفرنسية بتاريخ 19 ماي 1953 تحت عنوان:
UN TUNISIEN EST MORT SUBITEMENT lors de son interrogatoire par un commissaire de police
حشود كبيرة من المواطنين قُدّرت بحوالي 2000 شخص، يتقدمهم نشطاء سياسيون من النخب الوطنية المحلية منهم: ميلاد بن ميلاد، ومحمد الحسيني، ومصطفى بن يوسف، وحمادي البلاقي، وخميس البلاقي، ومحمد بوزيان، وبشير التوكابري، والهادي الصفاقسي، ومحمد القفصي، والشاذلي بالشريفة، وحفناوي الموسي، ومحمد الهادي بالشرقي، وعبد العزيز البلطي،،،
في حين اعتبر 3 قياديين بالجامعة الدستورية على رأسهم علي الزلاوي عقولها المدبرة وسيتم إيقافهم جميعا وتتبعهم عدليا لدى المحكمة العسكرية بتونس بتهمة القيام بأعمال تخريبية.
حصلت الصدامات أولا بدار القايد في ساحة البرادعية( ساحة علي باش حامبة حاليا)، على مقربة من مقر سكنى عائلة الشهيد، وقد كان القايد آنذاك احميدة الزواري، حيث اعتصم المتظاهرون بجثمان الشهيد وطالبوا بفتح تحقيق في ظروف وفاته لاقتناعهم بأنّ صالح الأصفر قُتِلَ تحت التعذيب.
في الأثناء تجمهر المتظاهرون أمام مقر دار المراقب( مقر الولاية حاليا) وحاولوا اقتحامها بعد مشادات مع قوات الأمن ورشق بالحجارة لتنتقل المسيرة بعيد المغرب أي حوالي السادسة إلا الربع مساء إلى المستشفى حيث نقل الجثمان للتشريح بعد أن أصرّ الأهالي، على إثر رفضهم لتقارير 3 أطباء محليين هم الدكتور برطاس Barthas، والدكتور بلعيش Belaiche، والدكتور محمد القوال، رئيس الجامعة الدستورية بالشمال الغربي، على أن لا يجري التشريح إلا طبيبان خارجان عن دائرة باجة ترسلهما وزارة الصحة وهو ما حصل بالفعل.
سيطر المتظاهرون على فضاء المستشفى وحاصروا مختلف الوحدات الصحية مما أسفر عن تدافع بينهم وبين البوليس الفرنسي الذي وقع تعزيزه بفصيل من الجنود السينغاليين وفريق المخزن ورَشقٍ بالحجارة من جهة المتظاهرين
ردت عليه قوات الاحتلال بإطلاق الرصاص مما أدى إلى تشتيت التجمهر وحصره داخل المدينة العتيقة ليقع بعدها دفن الجثمان ليلا بحضور أفراد عائلة الشهيد لا غير .
وتقول إحدى الروايات إنّ الجنود السينيغاليين كانوا متعاطفين مع المتظاهرين:
– فهل كان الجنود السينيغاليون متعاطفين فعلا مع المتظاهرين، وهم الذين ردوا بإطلاق 15 عيارا ناريا في الهواء على وابل الحجارة الذي أمطر به المتظاهرون البوليس الفرنسي لما كانت قواته تدفعهم عبر الاستعمال المتزايد للقوة باتجاه المدينة العتيقة حتى يفكوا حصارهم للمستشفى حيث كان الدكتور عبد السلام المستيري والجراح سعيد المستيري يجريان عملية التشريح على جثمان الشهيد؟
– أم أنّ تعليمات المراقب المدني كانت وراء هذه الخطة في امتصاص غضب المتظاهرين خاصة أنه كان قد استقبل وفدا منهم ووعدهم بأن موكب الدفن لن يفرض فيه أي تحجير بعد أن أكّد لهم أن الوفاة كانت طبيعية؟
هامش:
(1) صالح بن محمد بن محمد صالح بن أحمد الأصفر(1925- 1952)، سليل أسرة علمية عريقة تنحدر من أصول شريفة، تخرّج منها العدل والقاضي والمفتي والإمام والخطيب والمدرّس على امتداد قرنين من الزمان، من أبرز أعلامها
1-أبو الحسن علي الأصفر( كان حيا عام 1783) ” الشيخ الفقيه الإمام العالـم المدرّس منفّذ الأحكام الشرعية بين الأنام ” القاضي بباجة وسائر عملها وقد تولى الإمامة والخطابة بالجامع الكبير بباجة والتدريس به.
2- قاسم بن علي الأصفر(كان حيا عام 1783). وهو فقيه عدل وفرضي.
3- شعبان بن علي الأصفر(كان حيا عام 1783). وهو فقيه عدل وفرضي.
4- حمودة الأصفر (كان حيا عام1804). وهو فقيه عدل وفرضي ومدرّس بالجامع الكبير بباجة….
5- محمد الأصفر (كان حيا عام1863). وهو فقيه عدل وفرضي ومُفتٍ كما كان عضوا بالمحكمة الشرعية بباجة عام 1863.