باجة: المنظمات الوطنية وقرار الإضراب الجهوي

0

د. زهير بن يوسف

         في سياق متصل مع الجلسات التشاورية التي عقدتها منظمات المجتمع المدني ومُخرجات الهيئة الإدارية للاتحاد الجهوي للشغل وبعد فشل جلسات التفاوض مع السلط حول استحقاقات الجهة في التنمية العادلة والمنصفة أعلنت التنسيقية الجهوية للمنظمات الوطنية بباجة الإضراب الجهوي العام.

I- . التمييز السلبي في التنمية

          انتهت منظمات المجتمع المدني الوازنة والحزام الجمعياتي الداعم لها والنخب المحلية إلى أن الحكومة ممعنة في التعاطي غير الجدي مع ملفات التنمية بالجهة، متمادية في تمش يسثنيها سلبا من البرمجة الوطنية لمشاريعها، مما يتعارض مع مؤشرات التنمية وأحكام الدستور التي ميّزتها إيجابا، ويتناقض مع أولوية استهدافها عبر برامج التدخل الاجتماعي للحد من معدلات الفقر، رغم تصنيفها في المرتبة الرابعة وطنيا من حيث أعلى نسبة في الفقر والتهميش، بالإضافة إلى تنصّل السلطات من الإيفاء بمقتضيات ما سلف من محاضر اتفاق مع الحكومات المتعاقبة منذ 2013 ومنها مشاريع كبرى مبرمجة لم تلتزم الحكومة بتنفيذها على غرار المدرسة الوطنية للمهندسين بباجة والمستشفى متعدد الاختصاصات والقاعدة التجارية ذات المصلحة العامة والمنطقة اللوجستية بمجاز الباب وغير ذلك، بما يتعارض مع مبدأ تواصل الدولة.

II- . انعدام الرعاية الصحية العادلة

        خلُص نشطاء المجتمع المدني في الملف الصحي إلى أن الحكومة تهدر حقّ مواطني جهة باجة الدستوري في الرعاية الصحية العادلة وحقهم في التوفر على الإمكانيات الضرورية لضمان السلامة وجودة الخدمات الصحية ومنها:

ـ حقهم في تنفيذ المستشفى المتعدد الاختصاصات الذي سبق للحكومة أن صادقت عليه،

 ـ بقاء مشروع تحويل القاعة المغطاة بباجة إلى مستشفى ميداني طارئ الذي اقترحته اللجنة الوطنية للمستشفيات الطارئة حبرا على ورق رغم استكمال كل الإجراءات الإدارية جهويا ومركزيا ورغم تدهور الوضع الوبائي بالجهة إلى حد تصنيف باجة الكبرى بمعتمديتيها مناطق حمراء وهو المقترح الذي كانت باجة فيه مبرمجة ب 63 سرير اوكسيجين و2 أسرة إنعاش لما كان بها صفر إصابات بالكوفيد فإذا بها اليوم تراوح مكانها رغم وصول عدد حالات الإصابة بالفيروس إلى 1747 إصابة، وتسجيل 49 حالة وفاة، دون أن يتم تعزيز قسم الكوفيد بالمستشفى الجهوي بما يحتاجه من معدات وموارد بشرية ولا سيما في طب الإنعاش تم، بحيث يجابه حوالي 307.000 مواطن مصيرهم بعدد 2 أسرة إنعاش لا غير.

III- . بلغ الصبر منتهاه

          أطلقت نُخبُ المجتمع وجمعياتٌ ومنظماتٌ وطنية في طليعتها اتحاد الشغل واتحاد الفلاحين واتحاد الصناعة والتجارة واتحاد المراة وهيئة المحامين ورابطة حقوق الإنسان دعوات متكررة لإعادة النظر في الملف العام للتنمية الجهوية  وفي منواله وفي مقدمته ملف التنمية الصحية، لا سيما مع تفاقم عجز المجلس الجهوي وارتباك أدائه، إلا أن دعواتها لم تجد أدنى أذن صاغية من الحكومة ولا من رئيس الحكومة، حيث تم استثناؤها من الزيارات وتغييبها في التدخلات والنقاط الإعلامية والتنصل من التزامات الدولة إزاءها بما أفضى إلى انتهاء كل جلسات التفاوض معها إلى الفشل.

IV- . احتقان وغضب

       المنظمات الوطنية بجهة باجة وفي إطار تكاتفها مع كل مكونات النسيج الجمعياتي الجهوي والنّخب المحلية وعموم المواطنين،

ـ حيث حمّلت الحكومة مسؤولية ما يمكن أن ينجر عن خياراتها إزاء الجهة من تداعيات وهي خيارات اعتبرتها لاشعبية، مجحفة وغير عادلة.

ـ أكدت على تمسكها بالدفاع عن حق الجهة في تنمية شاملة ومُنصفة تضاهي بالأدنى نسبة إسهامها في الناتج الوطني،

ـ وعبّرت عن انحيازها لمطالب المواطنين المشروعة في العيش الكريم والتمتع بالحق في الحياة والكرامة،

ـ ودعت مواطني الجهة، والفاعلين السياسيين والنواب إلى الاستعداد للدفاع بجميع الوسائل المتاحة عن حقهم المشروع في التنمية الهيكلية الشاملة والمستدامة،

ـ وأعلنت، بعد إرجاءات وتأجيلات، دخول الجهة في إضراب إنذاري جهوي عام، يشمل كافة المرافق والقطاعات والمعتمديات وذلك كامل يوم الأربعاء 25 نوفمبر الجاري مع احتفاظها بحقها في اتخاذ كل الأشكال النضالية التي تراها مناسبة للدفاع عن حقوق الجهة المهدورة بما فيها ما وصفته بالموجع منها.

V . مطالب مواطنية بوسائل مواطنية

          لقد كانت الجهة دوما مناهضة لمتلازمة “العصبية والدولة، وتحملت بمُصابرة وتجلد إشكالية التمييز الجغرافي السلبي، ولم يعد بإمكانها أن تقف مكتوفة الأيدي أمام استمرار تناسل “العصبيات” في اختيارات الدولة وسياساتها، كما كانت دوما ضد فوضى المطلبية الكانتونية السائبة، ولكن لم يعد بوسعها أن تستمر ضحية لها.

         وهي وإن كانت باستمرار ضد احتجاز المجتمع من المجتمع ذاته، فإنها غير مستعدة لأن تكون كبش فداء في مسارات المناورة والمسارات المنفصلة ومسارات المغامرة التي انخرطت فيها الدولة، فالدولة السائلة لن يستعيد معها التاريخ إلا هزائمه.

         مطالبها لا تخرج عن حقوقها المواطنية المنصفة في إطار المجموعة الوطنية وفي استحقاقات التمييز الإيجابي التي ضمنها لنا الدستور وهي لن تساوم عليها.

         وحقوق التونسيين في تقديرها حزمة واحدة، بمعنى أن كل الحقوق تكون لكل المواطنين على أساس مواطني وليس على أساس تمييزي أقاليمي أو جهوي، وهذا جزء من التونسيين يطالبون بحقوقهم كمواطنين فدعوهم يطالبون بهذه الحقوق بوسائل مواطنية لا بأساليب الدولة السلطانية، فإنّ الدولة إذا لم تستعد الشعب فإنّ الشعب لن يستعيد الدولة.

د. زهير بن يوسف

ناشط حقوقي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.