أيّ تونس نريد؟

0

د. زهير بن يوسف

1. “إيالة السلطان” أم “الوطن التونسي”؟:

      “إيالة تونس” أو ” وجق تونس” او ” بايلرباي تونس” او أيضا ” ولاية تونس”: هكذا كانت تسميها المصادر العثمانية،

وسمتها المصادر الحفصية ” إيالة السلطان” و ” عمل السلطان”،

        في حين تفرد ابن خلدون بالإشارة إليها بعبارة قطر إفريقية.

        وإذا كان القاضي عظوم في أجوبته يتحدث عن ” عمالة إفريقية” فإن ابن أبي لحية القفصي المعاصر له تقريبا يتحدث في ” نور الأرماش” عن ” عمالة تونس”،

        محمد بن الحسن الوزان الشهير بليون الإفريقي يسميها بوضوح مملكة تونس،

         أما الوزير السراج فقد تحدث عن ” الحلل السندسية في الأخبار التونسية”، فوضع حدا نهائيا للتردد الذي تملك ابن أبي دينار، في كتابه المونس، بين إفريقية، وتونس. وهو تردد يبدو  أنه لم يحسم في كتاب ” المشرع الملكي” حيث يتردد الصغير بن يوسف بين ” المملكة التونسية” و” قطر بلاد إفريقية”،

وصولا إلى ابن أبي الضياف الذي يبدو أنه أول من استعمل مصطلح الوطن التونسي منذ أواسط القرن التاسع عشر، بعد أن قرن إسم تونس وإلى الأبد  ب” عهد الأمان” أي بأول تجربة دستورية في العالم العربي.

تونس الخضراء هكذا سوقت لها الكتابات التمجيدية  والمتداول الشفوي الجمعي، حتى قال فيها  الفتى الدمشقي متيما: 

يا تونس الخضراء جئتك عاشقا وعلى جبيني وردة وكتاب.

واختصها الشابي، شاعرها العظيم بقصيدة سماها “تونس الجميلة”،

واختار عبد العزيز الثعالبي لكتابه التأسيسي للحركة الوطنية عنوانا هو ” تونس الشهيدة “،

أما الحبيب ثامر فقد اتخذ من عبارة ” هنا تونس ” عنوانا لبعض مصنفاته،

علي البلهوان هو الآخر ألف كتاب “تونس الثائرة”،

وأما توفيق الجبالي فقد أخرج عام 2003 مسرحية تحت عنوان “هنا تونس” .

بالمقابل برزت عناوين أخرى بدأت مع فريدريك ميتران:         ” تونس تغني وترقص” ووصلت في السنوات الأخيرة إلى       ” تونس السكرانة “.

2. تونس أم إفريقية:

في سياق الفترة البينية التي سيحول فيها إسم البلاد من إفريقية أو المغرب الأدنى أو بلاد البربر الشرقية كتب ابن أبي الدينار كتابه “المونس في أخبار إفريقية وتونس”، 

والطريف هو ما يعطيه على غرار الإخباريين العرب من تفسير فيلولوجي للتسميتين رغم أنهما مجرد تعريب صوتي للطوبونيم اللاتيني  Tunes بالنسبة إلى تونس وشيء ما شبيه بهذا بالنسبة إلى تسمية البلاد ككل أي أفريكا Africa.

وهي التسمية التي ستمتد لتصبح دالة على فضاء القارة السمراء بأكمله.

والطريف في هذه القراءة الفيلولوجية للتسمية المفارقة بين مداليل:

أ، المزاق، (بضمة على الميم)، أي المجال الجغرافي الذي تتمزق فيه السحب،

ب. وإفريقية بمعنى ” المفرقة لقلوب أهلها” على ما قال عمر بن الخطاب، أو نسب إليه،

ت.ثم تونس؟

 تونس التي إنما اشتق إسمها على ما يذكر ابن خلدون من وصف سكانها والوافدين عليها لما عرفوا به من طيب المعاشرة وكرم الضيافة وحسن الوفادة، تونس التي تؤنس من زارها، و من أقام بها، ومن اجتاز عليها، ومن تثوي رفاته في ترابها. ماذا نريدها نحن التوانسة اليوم؟

3. تونس الخضراء أم تونس الفقيرة حسا ومعنى؟

ما نريد، هل هو تونس:

– بمعنى ” المزاق”  مزاق المجتمع الانقسامي و” الأوطان الكثيرة العصائب” وهي أوطان” قل أن تستحكم فيها دولة”  والعبارة لصاحب كتاب العبر؟

– وبمعنى إفريقية اللغوي، ” لاسيما أن لا وجود للأسماء خارج إطار اللغة، وهو المعنى الذي أشار إليه صاحب ” التكميل المشفي للغليل ” في قوله:  “رحم الله من سمّاها إفريقية،  فهي في الفراق والقهر دايما، وأظنّ أن هذا الفراق دايم”.

– تونس على معنى أفريكا البروقنصلية المنبثقة عن التوسع الروماني وما شابه هذا المعنى؟

– تونس التي لم تعد خضراء، كما قال أحمد مطر،

أم ” تونس الأنس”  بعبارة الباجي المسعودي صاحب الخلاصة النقية؟

تونس أخرى، تونس ممكنة، تونس التي صدر بها بدر شاكر السياب قصيدته “يوم الطغاة الأخير”:  تونس التي لا قيمة لأي أفق جديد فيها ما لم يكن موصولا بقيم الحرية والديمقراطية والقبول بالآخر والولاء للوطن، تونس المفارقة قطعيا ونهائيا لكل مسعى إلحاقي بالآخر ,لا ” تونس الفقيرة حسا ومعنى” بتعبير صاحب الإتحاف؟

د.زهير بن يوسف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.