زهير بن يوسف
هي إحدى مدن الغبار البصري، سماها صالوست (ت 35 ق.م) قديما مدينة الرخاء والكرم، بل مدينة الرخاء العظمى “Civitas Magna Opulens”، ونعتها محمد التواتي (ت 1621)، سيبويه المغرب، بالمحروسة، أما البكري (ت 1094) فقد قال فيها: إنها هري إفريقية، أي مطمور تونس وسلتها الغذائية، وزاد الحسن الوزان المعروف بليون الإفريقي (ت 1554) فقال: لو كانت منها اثنتان في سهل لزادت حبات القمح على حبات الرمل،،،
ولاحظ أن “أهلها متمدنون متحضرون”، وهم على “آداب وأخلاق، ونظام يسوسهم، وهو مرتبون في كافة أعمالهم وسيرة سلطانهم، وقد امتلأت مدينتهم بصنوف الصناعات حتى الحياكة، هذا فضلا عن الجم الغفير الذين يتعاطون الفلاحة”.
من ناحيته لاحظ الوزير السراج (ت 1737) أن “خيرها إذا كثر عم إفريقية (أي تونس)، إذ هي عمدتها في هذا الأمر”.
إلا أن العبدري (ت 1289) رثى حالها لما وصفها بأنها مالحة أجاجة، قد هتكتها الأيدي العادية، وفتكت فيها الخطوب المتمادية، فخشوعها لائح وضراعتها بادية، حتى صارت، وهي حاضرة، بادية، وقارب ناسها القدامى بينها وبين قنديل باب منارة فقالوا: إنها تضوي ع البراني، وماهى آخرون بينها وبين بقرة مقطوعة الذيل فقالوا في تشبيه بليغ: إنها “بقرة بلا ذيل ينش عليها ربي”، ووصفها أحد صلحائها، قيل إنه سيدي صالح، “بالفاخرة” وزاد فقال: إنها “ع البلاء مستاخرة، في الدنيا وفي الآخرة”.
وأردف قائلا: “ظالمها هالك كيف يكون منها فيها”.
وأضاف بعض أبنائها من المؤرخين، أحسبه صاحب “المشرع الملكي” أن كل سكان الإيالة مرتاحون وفي عيشهم متنعمون، واستثناها واصفا إياها بالقرية حيث قال: إلا من سكن القرية!
وأكد على ذلك في “التكميل المشفي للغليل” وهو ثاني كتبه.
وجاء عن أهلها وناسها أنهم “بكاية” “وما همشي شكاية”، ومن نكد الدهر أن يسميها العرب قديما مدينة القمح تمييزا لها عن نظيرة لها مختصة بالزيت، وهي تزود البلاد بما لا يقل عن ربع حاجياتها من الحبوب ومع ذلك فمهرجان القمح في غير ربوعها وليس فيها بل إن المحافظة على المشاتل البيولوجية كالشيلي والمحمودي أمر يعني آخرين ولا يعنيها!!!
أما عن “برزقانها” وغيره من أطباقها الشهية وأطاييب مائدتها الثرية، فغيرها من المدن التونسية به حفية، والحال أنه ليس أولى به منها هي!!!
قال صاحب الكلام، وقد سموه قوالا:
“يا (اسم المدينة) يا بجباجة،
يا اللي فيك ألف حاجة وحاجة”،
وتلاعب بالضمائر فقال:
“أرضها دم وماؤها سم،
عيش فيها 100 سنة ما تعملش صاحب ثم؟!”
يونس باي نجل السفاح علي باشا،. قالها كلمة ونفدت لما نعتها على ما يروي بعض الإخباريين بالفاجرة في إشارة إلى أنها كانت مدينة مستباحة لا ترد غزاة، وقد غزيت وسلم أهلها مفاتيح مدينتهم إلى الأغراب: هذه المشلفحة الفاعلة، تكثر فيها المقتلة.
فيا ويح تونس من يونس، كما جاء في المثل السائر، ويا ويحها هي، كأية مدينة تونسية أخرى، من أولاد راحيل.
أيتها المدينة الفاجرة: هل كل شيء فيك يباع؟!
نيرون مات، وزرد السلاسل، فلم لا يملأ الوادي سنابل؟!