ورقة في الإصلاح الثّقافيّ: تراث المدن التاريخية أنموذجا -1-
زهير بن يوسف
ليس أدلّ على العمق التاريخي للهوية الثقافية لأي شعب من الشعوب من التـراث الحضاري بمختلف تمظهراته الإبداعيـة والفكرية وما المعالم الأثرية و المجموعات العمرانية التقليدية والرصيد الوثائقي وكل ماله طابع التراث الثقافي إلا روافد محورية في تمحيض ذاتية المواطن ناهيك أنها تشكّل حجر الزاوية في ذاكرة المجموعة الوطنية وأحد أهم الشواهد الحية على أصالتها وعراقتها التاريخية.
ومن ثمة فإنّ صيانة التراث الأثري وحماية المجموعات العمرانية والعناية بالنشاط التوثيقي يحتلاّن مكانة مركزية في تكريس أية سياسة ثقافية، ولعلّهما يعدانّ من أوكد المهام العلمية وأكثرها إلحاحا وواجبا وطنيا لا يستهان به خصوصا أنّ هذا القطاع تحدق به بسائر المدن التاريخية التونسية ثغرات ومخاطر لا محيد عن ضرورة المسارعة إلى تداركها.
أ. في حماية المجموعات العمرانية العتيقة والمعالم الأثرية
المبادرة بإنجاز دراسة تضبط حدود النسيج الحضري العتيق بكل مدينة تاريخية باعتبارها المدخل الأول والأساسي لتوضيح الإطار القانوني لمختلف العمليات والتدخلات والمشاريع التي تدخل في إطار مشمولات صيانة المدينة ولن يتسنى ذلك إلا بتوفير الخرائط ورسوم الأمثلة والصور الجوية.
الشروع في القيام ببحث ينصب على التحليل المورفولوجي لتركيب النسيج الحضري العتيق بهذه المدن واستجلاء الأنماط المعمارية والعمرانية السائدة فيه حفاظا على تنظيم “البلاد العربي” وأصالتها عند كل عملية ترميم أو تجديد وحماية للخلايا السكنية خاصة من زحف المجال التجاري والانتصاب العشوائي للورشات والمخازن وغيرها.
حصر ما بها من المعالم الرومانية والبيزنطية والإسلامية أو أي عقار له أهمية تاريخية أو جمالية
أو معمارية يجب تهذيبه أو تجديد وظيفته داخل المجالين العمومي والسّكني نعني الشبكات الثقافيّة والدينيّـة والتجارية والحرفية بالإضافة إلى العقارات السكنية مع توثيق كلّ ذلك فوتوغرافيا وسينمائيا في أشرطة فيديو وفقا للمنهجية الآتية:
أ. ضبط مكان انتصاب المعلم وتقديم لمحة تاريخية عنه وتحقيق حول ملامحه ومميزاته النمطية.
ب. التقاط صور شمسية للحالة الراهنة التي عليها المعلم والبحث عن صورته على هيئته القديمة متى أمكن ذلك.
ت. إجراء تحقيق فنّي يكشف عن وضعية المعلم ويحدّد مواطن ما فيه من أضرار مبيّنا أنواعها مع رسم مثال لرفع المعلم على حالته الراهنة.
ث. تقديم مثال يرسم التحويرات أو الحلول الفنية الممكنة والمطلوبة في إطار المحافظة على ملامح المعلم المميّزة مسـاحة وأبعادا والكفّ بالخصوص عن ظاهرة استسهال توسيع المعالم الروحيّة العتيقة ولاسيما في غياب متابعة هندسيّة معماريّة مختصّة في الصيانة والترميم: حالة المساجد والزوايا التاريخية خصوصا.
ج. اقتراح أمثلة تنفيذ، ترميما أو تجديدا، مرفقة بكشوف تقديرية وجداول بيانية لأثمان العمليات مع احترام النمط المعماري والعمراني الموجود بحسب الإمكان حماية لهذه المعالم من التدخّلات العفويّة التي لا تراعي قواعد الصيانة وأصول الترميم فتلحق أضرارا بالمعلم من حيث تريد إصلاحه و المثال ساطع في الإضافات المرتجلة التي يتم إدخالها على المعالم الدينية التاريخية وهي إضافات متناقضة مع الطابع المعماري لهذه للمعالم.
ح. إجراء ما يلزم من تحقيقات إضافية وهي علاوة على حالة البناءات التحقيقات العقارية والاجتماعية والاقتصادية الضروريّة بما يكفل صيانة هذه المعالم من النهب والتخريب ويمنع الدخلاء من استغلالها سكنيّا وخاصة تجاريا بدون صفة شرعية.
إعداد أمثلة تفصيلية مدقّقة لتهيئة المدن العتيقة بعد جمع كلّ الإرشادات اللازمة لاستجلاء إمكانات البناء والتجديد والترميم وضبط الاختيارات المفصلة للتهيئة بها.
محاولة إقرار برمجة جمليّة متكاملة ومتدرجة لأحيزة تدخل الجهة المختصّة ومختلف عملياتها حسب أولويات التهذيب أو الترميم أو التجديد وإعادة الهيكلة وربّما كان من المستحسن البدء في ذلك بالأحزمة العمرانية المتكونة من المباني الواقعة تحت الأسـوار أو داخلها أو تلك التي أضحت مندمجة فيها
أو مشيّدة فوقها أو أيضا تلك الواقعة على أماكن الأسوار المفقودة وذلك حتى لا يبتلع الزحف العمراني والمعماري المعصرن النسيج الحضري العتيق ولا يغرقه في التشويه.
تعيين التجهيزات الأساسية التي يجب إرساؤها والشبكات التي يتعيّن تحسينها أو توفيرها حفاظا على ظروف السّكن الصحّي بالمدينة التونسية العتيقة وتأمين جاذبيتّها للسكّان من مختلف الفئات الاجتماعية عبر السّماح بالتطوّر الضّروري والموجّه الذي ينبغي أن يضبط طبقا لنصوص قانونية مواتية.
حثّ الملاك العقاريّين على تحسيـن حالة بناياتهم داخليا وخارجيا وتحسيس أصحاب العقارات المتداعية للسقوط أو تلك التي تخرّبت بضرورة عدم تركها لحالها وتقديم التّسهيلات القانونيّة والفنّية التي تتطلّبها مجانا أو بتكلفة رمزيّة والتصدّي لكلّ أعمال المسخ والتشويه التي يمكن أن تطول هذا التراث المعماري.
المبادرة بتجديد الإنارة العمومية في المدينة العتيقة وأرباضها بالفوانيس التقليدية الموحّدة.
تبليط الأنهج والأزقّة( ج. زقاق) والدّريبات (ج. دريبة) والمدرجات كما كانت بطريقة “الفرش”
أو “الرّصف” أو “الزرص” أو البلاط.
إثبات رخامات تذكارية تحمل تسميات كل أبواب المدينة العتيقة حتى ما اضمحل منها وذلك في شواهد هذه الأبواب أو بأماكن وجودها الأصلي وإطلاق أسمائها على الساحات التي توجد بها وتوظيف هذه السّاحات وفقا لاحتياجات المجموعة سواء كانت هذه الاحتياجات احتفالية أو تجاريّة.
إثبات رخامات تذكارية أو لوحات معدنية قرب كل معلم للتعريف به بعد استكمال عمليات الترميم
أو التهذيب أو التجديد، ينسحب ذلك على كل المعالم ذات القيمة التاريخية أو الجمالية أو المعمارية المميزة.
إثبات لوحات معدنية كبرى توضّح تخطيط المدينة العتيقة في موقعها من النسيج الحضري الكلّي للمدينة و أهم نقاط الاستقطاب السّياحي والحضاري فيها مع ضبط مسلك سياحيّ أساسي لزيارة هذه المعالم بكلّ ما يعنيه ذلك من تهذيب وتأنيق.
تجديد الوظائف الثّقافيّة لهذه المعالم التّاريخية ولاسيما منها الفضاءات الروحية وعلى رأسها زوايا علماء المدينة وأوليائها الصّالحين والتي أضحى جلّها مهجورا أو موظّفا في أغراض غير ثقافية كالسكن والتّجارة بتحويلها، بعد تصفية أوضاعها العقارية إلى نواد للأطفال أو رياض قرآنية أو رياض أطفال
أو مقرّات لجمعيّات ثقافيّة… وذلك حسب فساحتها وحالتها المعمارية خصوصا أن الكثير منها لا يحتاج إلاّ إلى شيء قليل من الترميم.
وتنسحب إمكانات الاستغلال والتوظيف في الكثير من المدن التاريخية خاصة على عدد كبير من الزوايا والحصون والقلاع إضافة إلى القصور والديار إلخ إلخ
تركيز متاحف محلية وجهوية للتراث الأثري والاتنوغرافي والعلمي والشعبي والفنون التقليديّة بكل مدينة تاريخية تونسية وأخرى للحركة الوطنية والتاريخ الراهن
لما لذلك من الأهميّة في حفظ تراث الجهات وإبداعاتها والتعريف بها عرضا ودراسة.
ترميم المعالم الرئيسة في كل مدينة تاريخية كالقلاع والحصون والأبراج وصيانة الأسوار أو بقاياها وإعادة بناء الأبواب القديمة بمواقعها الأصلية أو بالقرب منها، وهذا ممكن لو تبنّت أشغال إعادة البنـاء والترميم مؤسسات بنكية ومالية مثلما حدث لباب البحر بالعاصمة ومشروع إعادة بناء باب الجنايز بمدينة باجة.
د. زهيــــــــر بن يوســف