الخبير الدولي في التربية عماد بن عبد الله السديري يطلق صيحة فزع..تعليمنا متأزّم… وتونس في خطر

0

الخبير الدولي في التربية عماد بن عبد الله السديري يطلق صيحة فزع..تعليمنا متأزّم… وتونس في خطر

عن جريدة الشروق التونسية

يبقى ملف التعليم من أهم أولويات المرحلة وعلى المتصارعين على المناصب السياسية والحكومة المقبلة منحه الأولوية المطلقة.

*كيف تشخّص واقع التعليم في تونس؟

أعتقد أن الأمور متأزمة جدا، بل يمكن استعارة عنوان التقرير الأمريكي الصادر في الولايات المتحدة الأمريكية في العام 1983 «أمة في خطر» للقول أن الوضع التربوي المتأزم في تونس يجعل بلادنا بأسرها معرضة لمخاطر عديدة، الآن وغدا.

ما هي أبرز عناوين هذه الأزمة؟

هي أزمات متنوّعة أبرزها تدني المستوى التعليمي العام للشعب التونسي، ورداءة المخرجات التربوية وضعف نتائج التلاميذ التونسيين في الاختبارات الوطنية والدولية، وافتقادهم لمعارف ومهارات أساسية في غاية الأهمية، على غرار القراءة والحساب والعلوم، إذ كانت نتائج التلاميذ التونسيين مرعبة في جميع الاختبارات الدولية.

لو تفصّل لنا هذه النتائج؟

على سبيل المثال، شاركت تونس في 2003 في اختبار تيمس في الرياضيات والعلوم. ويتم تصنيف التلاميذ في أربعة مستويات، المتدني والمتوسط والمرتفع والمتقدم. والنتائج التي حققها التلاميذ التونسيين كانت كارثية بجميع المقاييس، إذ تبيّن في اختبار الرياضيات أن أداء 72 بالمائة من التلاميذ التونسيين قد كان أدنى من المستوى المتدني، إذ استحال تصنيف 72 بالمائة من التلاميذ التونسيين لافتقادهم للحد الأدنى من المعارف والمهارات الأساسية في مادة الرياضيات، وهي مسألة مرعبة، فبالمقارنة مع تلاميذ الدول المتقدمة كان أداء تلاميذنا أقل من المتدني. أما في اختبار العلوم فقد تبيّن أن 73.3 بالمائة من التلاميذ التونسيين قد فشلوا في الوصول إلى المستوى المتدني، أي أن أداء أغلبية التلاميذ التونسيين قد كان أضعف من الضعيف.

ومن 2003 إلى اليوم، ماذا فعلت الدولة التونسية لعلاج هذه الوضعية؟

شاركنا مرة أخرى في 2007 في نفس الاختبارات الدولية، وكانت نتائج التلاميذ التونسيين كارثية ومخجلة، ففي اختبار الرياضيات كان أداء 71.94 بالمائة من التلاميذ التونسيين أدنى من المستوى المتدني. أما في اختبار العلوم فقد كان أداء 68.05 بالمائة من التلاميذ التونسيين أدنى من المستوى المتدني. وقد تكررت تقريبا ذات النتائج الضعيفة جدا في 2011، إذ كان أداء 64.6 بالمائة من التلاميذ التونسيين في اختبار الرياضيات أدنى من المستوى المتدني، وفي اختبار العلوم كان أداء 65.6 بالمائة من التلاميذ التونسيين أدنى من المستوى المتدني، أي إنه لم يتم تصنيف سوى 35بالمائة من التلاميذ.

أما في اختبارات بيزا الخاصة بالرياضيات والعلوم والقراءة باللغة العربية في العام 2015، فقد بيّنت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OCDE) أن نتائج التلاميذ التونسيين قد كانت من بين الأدنى والأضعف دوليا.

أين الخلل؟

كانت لدى الحكومة التونسية معطيات دقيقة بشأن رداءة الوضع التربوي منذ بداية الألفية الجديدة. وقد أشارت تقارير دولية كثيرة إلى أنه من بين أسباب ضعف التلاميذ التونسيين تدني مستويات الأمن في المؤسسات التربوية بسبب انتشار ظاهرة التنمر والعنف. كما وثقت التقارير الدولية تدهورا في علاقة التلميذ التونسية بالمدرسة التونسية، بالإضافة إلى ضعف منظومة المناهج والبرامج الرسمية المعتمدة، إذ إن معظمها غير ملائم وغير مواكب للتوجهات الدولية. بل هي في واقع الأمر متخلفة جدا ومنقوصة مقارنة بما يتعلمه التلاميذ في الدول المتقدمة. وهو أمر قد وثقته الجمعية الدولية لتقويم التحصيل التربوي في العام 2011، إذ بينت أنه من أصل 18 موضوعا يغطيه اختبار التيمس الخاص بمادة الرياضيات لا تغطي البرامج الرسمية التونسية سوى 7 منها فقط، وهو ما يعني أن وزارة التربية التونسية تحرم بشكل منهجي التلميذ التونسي من التمكن من مجموعة من المعارف المهارات الأساسية واللازمة للتعلم ولمنافسة أقرانه في الدول المتقدمة، وهو ما يعني أيضا أن هناك خللا خطيرا وغير مقبول على مستوى صناعة السياسات التربوية الرسمية في أعلى هرم وزارة التربية التونسية، ذلك أن التقرير الذي صدر في العام 2011 قد تم إعداده بشكل مشترك بين الجمعية الدولية لتقويم التحصيل التربوي ومركز التجديد البيداغوجي في تونس، ورغم ذلك لم يتم إصلاح هذه الهنات.

لماذا لم يتم إيجاد حلول للوضع التربوي بعد المشاركة في تقييمات الدولية حسب رأيك؟

كان لا بد من أخذ قرارات ملائمة وصارمة على مستوى الدولة، قرارات مبنية على أدلة بحثية وبراهين علمية. لكن للأسف الشديد، استمرت الأوضاع على حالها، ولم نلمس تطورا في الفكر التربوي التونسي بشكل عام. أما التقييمات الدولية، فلم تتم الاستفادة منها على مستوى مشاريع إصلاح المنظومة التربوية التي قامت في معظمها على انطباعات واجتهادات شخصية وليس على معطيات موثقة.

أعتقد أن لغة التدريس تعد من المشاكل الكبرى التي وجب إعادة النظر فيها، ذلك إن السياسات اللغوية الحالية التي تطبقها وزارة التربية التونسية لا تقوم على سند علمي واضح، بل هي في جوهرها موروثة منذ حقبة الاستعمار. على سبيل المثال، يتم تخصيص زمن أكبر لتعليم اللغة الثانية وهي الفرنسية على حساب اللغة الأولى وهي العربية في سنوات التعليم الابتدائي، على عكس المعمول به في الأغلبية الساحقة من دول العالم المتقدم، وهذا لوحده كاف لنسف المنظومة التعليمية وإضعاف أداء التلاميذ، ذلك إن القراءة والكتابة والحساب تمثّل معارف ومهارات أساسية لتعلم باقي المواد الدراسيّة، فمناهج الدول المتقدمة تعطي أولوية قصوى في سنوات التعليم الابتدائي لهذه المعارف والمهارات من حيث تخصيص زمن مدرسي كبير لتدريسها وتوفير كتب وقصص وكراسات كثيرة لضمان التمكّن منها قبل نهاية التعليم الابتدائي. أما في تونس فما يحدث في مدارسنا يتناقض تمام التناقض مع هو حاصل في العالم المتقدم، إذ يدرس التلميذ التونسي في السنة الرابعة من التعليم الابتدائي 210 ساعة لغة عربية في السنة، مقابل 330 ساعة مخصصة للغة الفرنسية في دولة فرنسا. أما اللغة الثانية أي الفرنسية في السنة الرابعة من التعليم الابتدائي فيدرسها التلميذ التونسي لمدة 280 ساعة في السنة، في حين يدرس التلميذ الفرنسي اللغة الثانية لمدة 54 ساعة في السنط لا غير. كما أن هناك خللا كبيرا في كل ما يخص المناهج الخاصة باللغات، إذ نلاحظ على سبيل المثال أن كتاب القراءة الموجه لتلاميذ السنة الأولى من التعليم الابتدائي والمطبّق حاليا في تونس لا يختلف كثيرا عن كتاب القراءة الذي كان مطبقا في تونس سنة 1920 من حيث المضمون والبنية وحتى عدد الصفحات. وقد أثبتت الدراسات اللسانية أن التلميذ لا يمكنه أن يجيد اللغة الأجنبية إلا إذا أجاد اللغة الأولى. لكن في تونس تتمتع اللغة الفرنسية منذ الاستقلال بوضع مميز بفضل اتفاقيات الاستقلال الداخلي المبرمة في العام 1955، والتي تفرض على الدولة التونسية عدم اعتبار اللغة الفرنسية لغة أجنبية، أي أنه يجب التعامل معها رسميا باعتبارها جزءا من الواقع اللغوي في تونس. وهو ما جعل أجيالا متعاقبة من التلاميذ التونسيين تعاني من ضعف لغوي حاد أكدته نتائج الاختبارات الدولية وارتفاع نسب الرسوب والانقطاع المبكر عن التعليم. في الواقع، شخصيا أرى أن السبب الرئيسي لتدني المكتسبات اللغوية والحسابية والعلمية للتلميذ التونسي تعود بالأساس إلى إخلالات خطيرة وغير مبررة على مستوى المناهج والبرامج الرسمية والسياسات الرسمية التي تعتمدها وزارة التربية التونسية، التي ترسّخ هذه الفجوة العلمية والمعرفية الكبيرة والمخيفة بين الشعب التونسي وباقي الشعوب المتقدمة.

أزمة التعليم في تونس ليست حديثة إذن؟

بطبيعة الحال، هي أزمة ضاربة في التاريخ. وعموما فإن بوادر الأزمة قد برزت بشكل جلي وواضح منذ بداية الألفية الجديدة وذلك بعد مشاركة تونس في بعض الاختبارات الدولية وحصولها على بيانات دقيقة بشأن الفجوة التعليمية الضخمة التي تفصلها عن الدول المتقدمة. لكن، هناك مؤشرات أخرى كانت تؤكد منذ السبعينات والثمانينات والتسعينيات على وجود خلل تربوي في تونس، مثل تدني المستوى التعليمي العام للشعب التونسي الذي لم يتجاوز بحسب مؤشر سنوات التعليم للفئة العمرية 25 سنة فما فوق السنة الثالثة من التعليم الابتدائي في 1990. بل بحسب ذات المؤشر، دخلت تونس الألفية الجديدة بمستوى تعليمي عام لم يتجاوز السنة الخامسة من التعليم الابتدائي. أما اليوم، فنحن لم نتجاوز السنة السابعة من التعليم الأساسي، في حين يتجاوز هذا المؤشر 14 سنة في ألمانيا، أي أن الشعب الألماني بشكل عام له مستوى جامعي، وهو ما يؤهله للتميز وتحقيق معدلات تنموية ضخمة بسبب ما اكتسبه أبناؤه من معارف ومهارات متقدمة.

وحتى نكون أكثر موضوعية في هذا الصدد، ينبغي التأكيد أن دولة الاستقلال قد وجدت شعبا محطما ومدمرا تربويا بسبب السياسات الاستعمارية التي مارست جميع أشكل التجهيل في تونس. لا بل إن الأزمة التربوية والحضارية في تونس لها جذور عميقة تعود إلى بدايات الحكم العثماني لتونس منذ 1574، إذ لم يبنِ الأتراك أي مدرسة في تونس لمدة 3 قرون تقريبا، فأول مدرسة عصرية أنشأها الأتراك في تونس هي المدرسة الصادقية في 1875، مما يعني أننا نعاني تبعات حوالي 4 قرون من النهب والتخلف والانحطاط. ففي الوقت الذي كان فيه أوروبا تنهض وتتقدم فكريا وزراعيا وصناعيا وتكنولوجيا كانت تونس تتعرّض لنهب وتجهيل ممنهج من قبل قوى أجنبية.

كيف ترى مستقبل التربية على ضوء هذا التشخيص؟

يؤكد تقرير البنك الدولي لسنة 2018 على ارتفاع معدلات الهدر المالي والبشري في تونس بنسبة تقارب 50 بالمائة. وإذا استمرت الأوضاع على حالها في المستقبل، فإن التلاميذ التونسيون سيخسرون 50 بالمائة من قدراتهم وإنتاجيتهم عند بلوغهم 18 سنة، بمعنى أن السياسيات التربوية المطبقة الحالية في بلادنا لن تسمح لتونس بأن تتقدم أو أن تحقق نتائج تنموية إيجابية في السنوات القادمة، بل ستعرقل طموحات الشعب التونسي وستمنعه من تحقيق ما يصبو إليه. كما أن هذه السياسات تؤدي وستؤدي إلى إهدار 50 بالمائة من مواردنا البشرية و50 بالمائة من الموارد المالية المخصصة للتنمية البشرية في تونس.

وتوجد تقارير دولية كثيرة تؤكد على حدة الأزمة التربوية والبشرية والتنموية في تونس، إذ يوثّق تقرير التنافسية العالمي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي إلى ارتباط ضعف تنافسية الاقتصاد التونسي بضعف المؤشرات التربوية في تونس. بالإضافة إلى ذلك، فإن مجموعة بوسطن الاستشارية قد أكدت كذلك في العام 2018 أن التعليم التونسي يحرم الاقتصاد التونسي من تحقيق أداء إيجابي. وللإشارة فإن هذا الفشل التنموي والاقتصادي في تونس قد تزامن دوما مع فشل تربوي كوثّق في تونس. ففي العام 1966 كانت تونس وسنغافورة في نفس المستوى من حيث الناتج المحلي الإجمالي (PIB) إذ بلغ 1 مليار دولار في كلا البلدين لأول مرة في تاريخهما. أما في 2016 فقد بلغ الناتج المحلي الإجمالي في تونس 39 مليار دولار، في حين بلغ في سنغافورة 323 مليار دولار، أي نحو 10 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي في تونس، رغم إن مساحة سنغافورة أقل من بلادنا بحوالي 223 مرة. والملاحظ أن النتائج التنموية الباهرة في سنغافورة وجميع الدول المتقدمة قد تزامنت دوما مع تسجيلها لنتائج باهرة في المجال التربوي.

كخبير كيف ترى خارطة الطريق للإصلاح؟

هناك عدة اولويات منها تجاوز الفشل عبر الاستفادة من المشهد التربوي العالمي لان ما يطبق اليوم من مناهج يظهر عدم اطلاع على ما يجري في العالم وعلى التجارب الناجحة والاقتداء بها والتوقف عن ارباك التعليم. علما وان ما يقع اليوم في التعليم كان من الممكن استشرافه منذ عقود. كما اقترح ان تتم عملية الاصلاح بشفافية وانفتاح وشراكة مع المجتمع المدني ووضع كل المعطيات عبر الانترنات حتى يتمكن من الاطلاع عليها واثراءها المجتمع المدني والخبراء. وحتى لا نصل الى مشاهد نراها اليوم على غرار المدارس القرآنية والدينية والكوارث التي تنتجها فمعلوم ان التعليم يعكس التوجهات الكبرى للدولة ومصالح الشعب والمناهج هي عبارة عن عقد اجتماعي يتفق حوله على ما ينبغي ان يتعلمه الابناء لخوض معركة التنمية لذلك لا يجب ضرب هذا العقد واذا كان هناك منفعة وجب تعميمها على جميع التلاميذ لذلك فان المناهج التربوية الكبرى يجب ان تشارك فيها كل الاطراف ثم تلتزم بها والا فان مخالفتها تعد مخالفة للقانون.

ما هي آليات العمل لتجاوز الفشل التربوي حسب رأيك؟

نسبة الرسوب كارثة في بلادنا اذ تصل الى 60بالمائة في الباكالوريا بينما نسب النجاح تصل الى 90و100بالمائة في دول اخرى والاشكال انه اذا نجحت نسب عالية فلا يمكن تلبية طلباتهم في التعليم العالي لذلك يبدو ان بلادنا لا تتحمل نجاح ابنائها خلافا لشعوب اخرى رائدة وكانه بعد الحديث عن تنمية مستدامة علينا الحديث عن فشل مستدام اليوم. لذلك اعتقد ان آليات العمل على تجاوز الفشل تتمثل في تطوير اداء المربي والتكوين والمناهج وتطوير القيادة المدرسية ومنظومة الدعم والمساندة التي تنطلق من الابتدائي والالتزام بالمعاهدات الدولية على رأسها المادة 28 المتعلقة «بالمصلحة الفضلى للتلميذ» وتطوير منظومة الاحصاء والتدقيق ذلك ان التقرير الاخير لليونسكو لسنة 2011 لم يتضمن بيانات مهمة حول التربية في تونس كما ان عشرات البيانات غير متوفرة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.