الجزائر- عن القدس
العربي-
خرج الجزائريون مجددا مبكرا للشوارع
اليوم للجمعة الحادي عشر على التوالي وقبل أيام من شهر رمضان، تعبيرا عن تصميمهم على
مواصلة حركة الاحتجاج التي بدأت في 22 شباط/ فبراير الماضي ويتخوفون من تراجعها مع
بداية شهر رمضان.
وكالجمعات السابقة أخذت المظاهرات زخمها الحاشد بعد صلاة الجمعة في كل أنحاء البلاد.
ردد المتظاهرون شعارات رافضة لما وصفوه بـ”محاولات رئيس أركان الجيش ببلادهم بدعم السلطة القائمة”، مبدين رفضهم الكامل في أن “يتحدّث قايد صالح باسم الحراك “.
شدد المحتجون على مطالبهم الرافضة لكل من كان له علاقة من قريب أو بعيد بنظام بوتفليقة الذي دام لعشرين سنة، مطالبين “بمحاكمة شقيق الرئيس المستقيل محاكمة علنية”، معتبرينه “أحد أبرز رموز الفساد الذين تسبّبوا في أزمة بلادهم”.
تخوّف المحتجّون مما أسموه بـ”وصاية القايد على الحراك”، مؤكّدين رفضهم لأي مسار قد يوصل البلاد لحكم رجل “عسكري”، مردّدين “جمهورية ماشي كازيرنة”، أي جمهورية وليست ثكنة.
رفع المحتجون المشاركون في مليونية اليوم الجمعة شعار “الجيش ديالنا والقايد لالا”، أي الجيش لنا وقايد صالح لا.
عاد المحتجون لمطلب تطبيق المادتين 07 و08 من الدستور الجزائري والتي تنص على أن الشعب هو مصدر كل السلطات.
طالب المشاركون في مليونية اليوم بإعادة كتابة الدستور وفق استفتاء شعبي يقرر من خلاله الشّارع النّصوص التي تتماشى وطموحاته رافضين إجراء انتخابات 04 تموز/يوليو المقبل “تحت وصاية السلطة الحالية للبلاد”.
عاد المتظاهرون لرفض الوزير الأول “رئيس الحكومة” نور الدين بدوي مطالبينه بالاستقالة، معاودين المطالبة برحيل رئيس الدولة عبد القادر بن صالح .
استنكر المتظاهرون ما وصفوه بـ”المحاولات الخبيثة في تقسيم الشعب، من خلال ارتفاع الأصوات التي تنادي بالجهوية وتفتح مواضيع إيديولوجية، الشّارع في غنى عنها حاليا”، وهنا قال أحد المتظاهرين ” لن نسمح لأحد أن يفرقنا بموضوع الهوية”
وكانت قد ظهرت بعض الأصوات السياسية مؤخرا، مهاجمة من يرفع الأعلام الأمازيغية التي تعوّد المتظاهرون رفعها إلى جانب العلم الجزائري، حيث ترمز الراية الأمازيغية ـ حسب حامليها ـ لهوية البلاد والأصول الأمازيغية لمنطقة شمال افريقيا.
رفع المتظاهرون الشّعارات المطالبة برحيل النظام وإجراء انتخابات مستقلة لاحقا، دون هذه الوجوه ـ على حد تعبيرهم .
وجدد المحتجون الذين هتفوا قائلين “أرهقنا هذا النّظام”، اليوم في العاصمة، تمسكهم بالتّظاهر حتى تتحقق كل المطالب السياسية التي خرج من أجلها الشّعب، معتبرين ما وصفوه بالمماطلة في الخروج من السّلطة لن يزيد إلا في تأزيم وضع المتمسّكين بالبقاء في مناصبهم.
وردّد المتظاهرون الذين بدأوا في الاحتشاد صبيحة اليوم، قائلين “الأيادي الخارجية موجودة في المرادية ( قصر الرئاسة)”، وذلك ردا على تصريحات رئيس أركان الجيش، قايد صالح الأخيرة حول وجود أطراف خارجية في الحراك، معتبرين أن “العبث الحقيقي يحصل في قصر الرّئاسة بالمرادية”.
وطالب المحتجّون بمحاكمات علنية لمن “عرفوا بالفساد”، ومن تم استدعاؤهم من قبل القضاء مؤخرا ويتعلّق الأمر برئيس الحكومة الأسبق أحمد أويحيى ومجموعة من رجال الأعمال المقرّبين من نظام الرئيس المستقبل عبد العزيز بوتفليقة إلى جانب وزير المالية الحالي وغيرهم من الأسماء التي تم استدعاؤها لشبهة تورطها في قضايا تبديد المال العام .
وبعد شهر واحد من استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الثاني من نيسان/ أبريل تحت ضغط الشارع وتخلي الجيش عنه بعد 20 عاما من حكم الجزائر، لم تضعف الحركة الاحتجاجية، لكنها لم تحقق أي مطالب أخرى غير هذه الاستقالة منذ ذلك التاريخ.
ما زال المحتجون يطالبون برحيل “النظام” الحاكم بكل رموزه ويرفضون أن يتولى رجال رئيس الدولة السابق، إدارة المرحلة الانتقالية أو تنظيم انتخابات الرئاسة لاختيار خليفته.
وتشمل هذه الرموز رئيس الدولة الانتقالي عبد القادر بن صالح ورئيس الوزراء نور الدين بدوي، وهما مسؤولان بالغا في خدمة نظام بوتفليقة.
في المقابل، يدعم الجيش ورئيس أركانه الفريق أحمد صالح، البقاء في الإطار الدستوري وتنظيم الانتخابات الرئاسية المقررة في الرابع من تموز/ يوليو.
ومنذ أن أصبح رئيس الأركان، بحكم الأمر الواقع، الرجل القوي في الدولة، بات يطلق التصريحات والخطابات بشكل منتظم عكس رئيس الدولة عبد القادر بن صالح ورئيس الوزراء نور الدين بدوي الصامتين.
وخلال الأسبوع أطلق تصريحين. فقد استبعد الثلاثاء أي حل للأزمة “خارج الدستور”، ودعا الأربعاء الأحزاب والشخصيات إلى الحوار مع مؤسسات الدولة القائمة وحذر من الوقوع في العنف.
“مرحلة حاسمة”
رحبت حركة “مجتمع السلم” أكبر حزب معارض في الجزائر بدعوة الجيش إلى الحوار من اجل “تجاوز الصعوبات والوصول إلى حالات التوافق الوطني الواسع”. لكنها دعت بدورها إلى الاستجابة لمطالب الشعب.
أما حزب طلائع الحريات بقيادة علي بن فليس الذي ترشح مرتين ضد بوتفليقة، فقد اعتبر أن الحوار المنشود “اقتضى مخاطبة ذوي المصداقية والثقة”. وأوضح أن الانسداد الحاصل “سببه تباعد صرح بن مسار مبني على أساس تطبق حرفي للدستور والمطالب المشروعة المعبر عنها من طرف الثورة الديمقراطية السلمية”.
في المقابل رفض حزب جبهة القوى الاشتراكية المعارض رفضا قاطعا تدخل رئيس الأركان “في الشؤون السياسية للبلاد” مؤكدا أن الشعب “لا يثق” في خطاباته ووعوده”.
واعتبر الرئيس السابق للرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان المحامي مصطفى بوشاشي، الخميس أن الاحتجاجات وصلت إلى “مرحلة حاسمة”، داعيا الشعب إلى مواصلة مسيراته السلمية للوصول إلى “التغيير الحقيقي”.
وردّا على “الأحزاب التي تحاول عبثا أن تزرع الفتنة وتقسيم صفوف الحركة الشعبية”، قال: “علينا جميعًا الكفاح من أجل اقتلاع هذا النظام من جذوره ومواصلة طريقنا الطويل نحو الديمقراطية وطرد الجميع المسؤولين الفاسدين”.
“لن نتوقف في رمضان”
بالحديث عن الفساد شهد الأسبوع الذي تبع الجمعة العاشرة من الاحتجاجات مثول شخصيات مهمة أمام القضاء بشبهة الفساد، في سلسلة تحقيقات ضد رجال أعمال نافذين ومسؤولين كبار في الدولة، انطلقت مباشرة بعد رحيل بوتفليقة.
والثلاثاء استجوبت النيابة لعدة ساعات رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى، الذي شغل المنصب أربع مرات منذ 1995 منها ثلاث مرّات في ظلّ رئاسة بوتفليقة، في قضايا تتعلّق بـ”تبديد المال العام والحصول على امتيازات غير مستحقّة” ولم تصدر أي معلومات عن مسار التحقيق.
واستجوب القضاء أيضا، المدير العام للأمن الوطني السابق اللواء المتقاعد عبد الغني هامل لمرتين، الخميس في قضية محاولة إدخال 700 كلغ من مخدر الكوكايين، وقبلها مثُل أمام القضاء بشبهات أبرزها “استغلال الوظيفة من أجل امتيازات غير مستحقة”.
وفي اليوم نفسه مثل وزير المالية الحالي ومحافظ البنك المركزي سابقا محمد لوكال أمام النيابة للاستماع لأقواله بشأن قضايا مرتبطة خصوصا بـ”تبديد أموال عامة”.
ورأى مصطفى بوشاشي أن فتح ملفات الفساد في هذا الوقت بالذات هو “محاولة لصرف اهتمام الرأي العام”. وقال إنه “لا يمكن مكافحة الفساد إلا بعد رحيل النظام برمته”.
ويتخوف المحتجون من أن يتراجع حجم التعبئة مع بدء شهر رمضان الاثنين او الثلاثاء.
لكن الناشطين عبر مواقع التواصل الاجتماعي بدأوا من الآن ينشرون شعار “لن نتوقف في رمضان” ودعوا إلى التفكير في أشكال جديدة للاحتجاج كالتجمعات الليلية وفتح ورش عمل حول الاقتراحات للخروج من الأزمة.
وسيكون الاختبار الأول لمدى استمرار التعبئة لدى الجزائريين يوم الثلاثاء بمناسبة المسيرات الأسبوعية التي اعتاد طلاب الجامعات على تنظيمها في كل أنحاء البلاد.(وكالات)